تشيكيا غنيمة الحرب ومـتعة العشاق
مع الانتعاش الذي شهدته السياحة في العالم خلال العقود الأخيرة، بدأت المؤسسات السياحية في كل مكان تبحث عن مناطق جديدة وممتعة لعشاق هذا النمط من الرفاهية الفردية، ولم تفلت الطبيعة الساحرة في البلاد التشيكية من هذا البحث، بل حظيت باهتمام كبير من قبل المؤسسات المحلية والدولية. وكانت أجزاء من المناطق السياحية التي يضمها جنوب البلاد، والمعروفة بإقليم مورافا جرى تحويلها إلى محميات طبيعية منذ عام 1956، وهي تبقى مفتوحة للزوار على مدار السنة.
وتتميز مورافا بوجود سلاسل جبلية شاهقة مغطاة بالغابات الكثيفة، وتتخللها الأنهار والسواقي الصغيرة والكبيرة التي تتجمع بعدما تتدفق مياهها من الينابيع العالية وسط الجبال، لتشكل فيما بعد بحيرات طبيعية وأحواضاً مائية كبيرة تجري مياهها في قلب تلك الجبال والغابات. وتمر قنوات المياه والأنهار المتدفقة داخل المدن والقرى المتناثرة في تلك المناطق نتيجة انتعاش أنواع كثيرة من الرياضات الطبيعية، كالمشي والتزحلق على الجليد وتسلق الجبال، وكذلك التجول في المغارات المنتشرة في كل مكان على سفوح هذه الجبال الملونة بألوان الطبيعة المختلفة. وتعتبر سياحة المغارات من السياحات الرائجة التي شقت طريقها إلى هذه المناطق بعد حملات أتاحت اكتشاف معظم المغارات الواقعة فيها مطلع الثلاثينات من القرن الماضي.
وعندما احتلت القوات الألمانية تشيكوسلوفاكيا بدأت هذه المناطق تعيش مرحلة الانتعاش بوصول السياح الألمان إليها، ويقال: إن مغارات شومافا وهي جزء من مناطق إقليم مورافا وعاصمته مدينة برنو الصناعية المعروفة، حازت على إعجاب السائح الألماني، الأمر الذي جعل هتلر يصفها بأنها ثروة جديدة وقعت في أيدي الألمان كغنيمة حرب. وتضم جبال شومافا مئات المغارات الطبيعية الكبيرة والصغيرة، ومساحة المحمية منها تمتد 92 كيلومتراً مربعاً. وبعض هذه المغاور كبير للغاية مثل مغارة بونكوفني التي تشهد إقبالا كبيراً من الزوار على مدار العام، وباستطاعة السائح أن يتجول فيها بواسطة زوارق مائية أو المشي على الأقدام، وهي ذات ارتفاعات مختلفة. وكذا الحال بالنسبة إلى المغارات الأخرى كمغارة كاترينسكا ومغارة بالساراكا وغيرها من المغارات التي تتخللها الأنفاق الطبيعية. وتنقسم مغارات شومافا إلى نوعين من ناحية الجدران والسقوف الهندسية الطبيعية، فمنها ما يعرف بالمغارات الجافة، وهذه تتكون جدرانها من بلورات كريستالية تتدلى إلى الأسفل بأشكال هندسية رائعة، تبث ألواناً طيفية جميلة للغاية، ومنها المغارات الرطبة التي تكوّن سقوفها أشكالاً هندسية زجاجية من الجليد المتجمد والمتدلي بقياسات مختلفة. وفي كلا النوعين تتدفق المياه في القاع لتكون بحيرات تجري في باطن الجبال حتى تخرج إلى الفضاء الخارجي عبر المنافذ المنتشرة في السفوح الجبلية المختلفة، لتتحول بعد ذلك إلى أنهر تخترق الغابات الكثيفة التي تغطي السهول، والتي تغطي بردائها سفوح الجبال، وتصل أحياناً كثيرة إلى قممها.
تنوع الأجواء الطبيعية
ويجد السائح في هذه المناطق متعة كبيرة، حينما يختار زيارتها لا سيما في فصل الصيف، ففي هذه المناطق تتنوع الأجواء الطبيعية، وفي بعض المغارات تراوح درجة الحرارة في تموز (يوليو) أو آب (أغسطس) بين ست وسبع درجات مئوية، وهي كافية لتنعش نفوس الزوار الهاربين من قيظ الصيف الحار، حينما تلامس أجسامهم نسمة من الهواء النقي والبارد.
وفي السنوات الأخيرة بدأ بعض المؤسسات السياحية العربية، ولا سيما في مصر وتونس والخليج، يلتفـت إلى هـــذا النــــوع من السياحة وإلى المرافق السياحية الرائعة الموجـــودة في جمهـــورية تشيكيا وتحــــديداً في المصحـــات، وكذلك سياحة الجبال والغابات والمغارات في مورافا، فبدأت تسيير رحلات متباعدة – حسب الفصل السياحي- إلى هذه المناطق. وتزداد أعداد السياح العرب القادمين كل عام إلى جبال شومافا وسط اهتمام متزايد تلقاه هذه الوجهة الساحرة في العالم العربي، لا سيما بالنسبة إلى الفرق الرياضية المختلفة. فالطبيعة هناك جذابة، والهواء في غاية النقاء، وإمكان مزاولة التمارين الرياضية المختلفة متوافر أيضاً، علماً بأن المصاريف التي يتحملها زائر هذه المناطق تعتبر زهيدة جداً مقارنة مع المناطق السياحية في دور أوروبا الأخرى. مورافا وجبالها ومغاراتها ومياهها كانت، ولا تزال، تحتفظ بجمال خاص، فقد منحتها السماء هبة كبيرة، بيد أن الهبة الأعظم تتجسد بأهلها، فهم معروفون بكرمهم وحسن ضيافتهم واحترامهم للغريب الزائر، وهم أيضاً يتمتعون بثقافة وذكاء ملفتين، وقد أصبحوا بكل هذه الصفات مضرب المثل للأمة التشيكية وللأجانب على حد سواء.