أعلى

 

غوتبورغ - رؤوف بكر (الحياة): قلما يجد السائح كل ما يرغب في رؤيته في مدينة واحدة. ومع تنوع الخيارات والتنافس الشديد بين المدن الأوروبية لجذب الزوار، فإن غوتبورغ السويدية تبرز كواحدة من الوجهات القليلة التي نجحت في وضع نفسها على خريطة الجذب السياحي في أوروبا خلال فترة زمنية قصيرة. وإذا كانت ثاني أكبر المدن في المملكة بعد العاصمة استوكهولم وخامس أكبر مدينة في الدول الاسكندينافية لم تكن معروفة كثيراً قبل عقود كخيارٍ للسياح، فإن الإحصاءات في الأعوام القليلة الماضية تكشف نمواً سياحياً غير مسبوقٍ. تبلغ مساحة غوتبورغ (المسماة يوتبوري باللغة السويدية لأن الجيم تلفظ ياءً) 450 كيلومتراً مربعاً وعدد سكانها يزيد عن نصف مليون نسمة وتقع على الساحل الغربي للسويد، وميناؤها هو ثاني أكبر ميناء في اسكندينافيا. وطبقاً لإحصاءات وكالة النمو الاقتصادي والإقليمي في السويد، فإن ما نسبته 27 في المئة من الزوار في 2015 أنفقوا أموالهم على التسوق، بخاصة أنهم يعثرون على ضالتهم من العلامات التجارية العالمية بأسعار مقبولة جداً مقارنة بما تحويه متاجر لندن وباريس، بالإضافة إلى البضائع الاسكندينافية المشهورة بجودتها.

 

وتشكل السياحة العائد الاقتصادي الأبرز، حيث قضى السياح العام الماضي نحو 4 ملايين ونصف المليون ليلة، ما يزيد على 10 في المئة عن 2014. ويشكل النرويجيون 20 في المئة من الزوار الأجانب، بينما يشكل الأجانب نحو ثلث زوار غوتبورغ بالمجمل. وستحتفل المدينة العريقة بالذكرى 400 لتأسيسها في 2021، وتمكن تسميتها بحق «مدينة الأشجار» والتي يبلغ عددها أكثر من 50 ألفاً تطوقها وتحف شوارعها. وكعادة سكان الدول الاسكندينافية، يفضل سكان غوتبورغ استخدام الدراجات الهوائية في مسارات يبلغ طولها نحو 800 كيلومتر. تضم المدينة 20 متحفاً. ولا بد لأي سائح أن يزور متحف الفنون الحاصل على ثلاث نجوم وفق تصنيف «دليل ميشلين الأخضر» والذي يحتوي على مقتنيات تعود إلى القرن الخامس عشر. وبعد ذلك، يعرّج على «أونيفرسوم» وهو أكبر متحف ومركز للعلوم وحوض مائي عملاق، ويضم ستة أقسام في كلٍ منها ورش عمل تجريبية تجمع الفائدة والسرور للأطفال. وبالإمكان زيارة الأرخبيل والعديد من القرى واصطياد الأسماك بأقل من مسافة ساعة من المدينة. ولا تنسوا أن تقوموا بجولة في غوتبورغ بقاربها التقليدي. كما عليكم زيارة سوق السمك المسمّاة «كنيسة السمك» لأن المبنى مشيد فعلاً على هيئة كنيسة منذ العام 1874. ودللوا حواسكم بتناول عجينة حلوى القرفة في حي هاغا بشوارعه ذات الحجارة المرصوفة والمقاهي والمحال الصغيرة بأسعارها المناسبة. ومن ثم، زوروا حديقة «سلوتسكوغن» التي تعتبر واحة غنّاء تبعدكم عن صخب المدينة، وقلعة «ايلفيسبيرغ» البحرية الشامخة.

 

ولكن تبقى مدينة ألعاب «ليسيبرغ»، التي تقع وسط غوتبورغ ويقدّر عدد زوارها بنحو 3 ملايين سنوياً، الوجهة الأكثر تفضيلاً للزوار. و «ليسيبرغ»، التي افتتحت العام 1923، هي أكبر حديقة ترفيهية في اسكندينافيا ونقطة جذب رئيسية. وتضم 37 من الألعاب الشيقة التي توائم مختلف الأعمار والهوايات وتمتد على مساحة 260 فداناً وتفتح أبوابها في شكل رئيسي من نيسان (أبريل) إلى تشرين الأول (أكتوبر). وإن كنتم من محبي المغامرات، جرّبوا القطار الأفعواني الخشبي المصنّف الأفضل في العالم مرتين في 2003 و2005 ويبلغ ارتفاعه 36 متراً وطوله نحو كيلومتر وتصل سرعته إلى 90 كيلومتراً في الساعة. وفي حال لم تكتفوا بذلك، ادخلوا إلى عالم لعبة «كانونين» الذي سينقلكم إلى تجربة لا تنسى من المغامرة التي ستقيس مدى جرأتكم فتصبح الثواني الـ73 التي ستقضونها في هذا القطار الأفعواني المعدني وكأنها الدهر، حيث سيأخذكم في حركات دائرية ولفات عمودية بزاوية 90 درجة. وبعد يومٍ متعب بين الألعاب، يمكنك أخذ استراحة وتناول أشهى الأكلات والمشروبات السويدية التقليدية في المطاعم والمقاهي المنتشرة بين جنبات «ليسيبرغ»، وحتى الجلوس ومتابعة العروض الفنية الجوالة داخلها.

 

ونظراً إلى توافر شبكة نقل عام متطورة تخدم كافة الأحياء والمناطق وأمان نسبي لا تعرفه المدن الأوروبية الكبيرة، فإن غوتبورغ تعد الوجهة المثالية ليس فقط للسائح العادي بل للعائلة ولكل الباحثين عن المتعة واكتشاف الجديد في مناطق خارج الوجهات التقليدية في القارة الأوروبية. ولأنها مصنفة مدينة عالمية تبعاً للمقاييس الدولية، لا عجب أن يطلَق عليها لقب «لندن اسكندينافيا» ليس فقط لاختراق نهر «غوتا ألف» وسطها نحو بحر الشمال، كما يفعل «تايمز» في العاصمة البريطانية، بل لكونها أيضاً مدينة الترفيه والثقافة والتعليم والتجارة في آنٍ معاً. فهي تحتضن كبرى الشركات السويدية والعالمية وجامعتها العريقة المشيّدة منذ 1891 ومهرجانها الرائد للسينما الذي يحضره أكثر من 150 ألف زائر كل كانون ثان (يناير)، فضلاً عن باقة متنوعة وشاملة من المهرجانات الموسيقية والمعارض سواء المقامة داخل الصالات أو في الهواء الطلق.