الأتراك يستقبلون السياح السعوديين بالترحاب
تتجول عشرات النساء الخليجيات في واحد من أفخم المراكز التجارية في إسطنبول ويحملن أكياسا عامرة بالملابس والأحذية ولعب الأطفال وبصحبتهن أطفالهن. موسم السياحة الصيفية على أشده في تركيا، وهو ما يعطي أركان زنجين، مدير أحد متاجر شركة تركية كبيرة للمجوهرات، سببا للسعادة. وقال: «زبائننا الأجانب أغلبهم من السعودية. لهم ذوق جيد في المجوهرات ويختارون عادة الأحجار الكبيرة». يتكرر المشهد في متجر قريب للأحذية والمعاطف الجلدية، حيث يحاول موظف جاهدا تلبية طلبات الزبائن الذين قدموا من الشرق الأوسط وينفقون المال الكثير.
وقال موظف يعمل في المحل: «ليسوا مثل الأتراك. إنهم يحبون الأحذية ويطلبون مقاساتهم ويجربونها، ثم يذهبون إلى الصندوق ويدفعون ثمنها، على عكس الأتراك الذين يريدون تجربة 20 زوجا من الأحذية قبل أن يتخذوا القرار». وأضاف قائلا: «عملاؤنا المفضلون هم العرب بسبب قراراتهم السريعة وقدرتهم الشرائية العالية».
وأصبحت تركيا وجهة مهمة للسائحين والمستثمرين العرب في الأعوام القليلة الماضية، وظهرت كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط تحت قيادة حزب العدالة والتنمية الذي هو حزب رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان.
وساعد اهتمام العرب بالثقافة التركية بدءا بالمسلسلات التلفزيونية المدبلجة والموسيقى والأطعمة، وانتهاء بإصلاح تركيا لتاريخها العثماني في تدفق أعداد كبيرة من السائحين العرب.
ويقصد الكثير من العرب إسطنبول، العاصمة الإمبراطورية القديمة، لإقامة أعراسهم، كما يستطيع العرب الذين يهربون من حرارة الصيف الحارقة الاستفادة من قطاع متنام في تركيا يخدم المسلمين المتدينين الأثرياء بفنادق بها أحواض سباحة ومناطق شاطئية مخصصة للرجال وأخرى للنساء ولا تقدم الخمور.
وبعد أن أقلقت انتفاضات «الربيع العربي» التي تجتاح أجزاء كبيرة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الزائرين، تعتمد تركيا على ساحلها الكبير المطل على البحر المتوسط وتراثها لاجتذاب المزيد من السائحين.
وقال بصران أولوسوي، رئيس رابطة شركات السياحة التركية لوسائل إعلام تركية: «الربيع العربي يؤثر على عائداتنا من السياحة بالإيجاب.. قدم إسهاما إيجابيا للنظرة إلى تركيا على المستوى الدولي».
وتظهر بيانات من وزارة السياحة أن عدد السائحين الذين يزورون تركيا زاد بنسبة 14.56 في المائة في الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي مقارنة بالفترة من يناير (كانون الثاني) إلى مايو (أيار) عام 2010.
وفي حين لا يزال الألمان والروس والبريطانيون يتصدرون قائمة السائحين ومعظمهم تغريهم عروض الإقامة الكاملة منخفضة التكلفة في تركيا، فإن زيادة كبيرة طرأت على أعداد السائحين العرب الذين ينفقون ببذخ.
وتتحدث الأرقام عن نفسها، ففي مايو ارتفع عدد السائحين من اليمن بنسبة 87 في المائة عن العام الماضي، في حين بلغت نسبة الزيادة في السياح من السعودية 79.3 في المائة والعراق و45.84 المائة.
ويعطي هذا دعما مطلوبا لخزائن تركيا، حيث تسعى البلاد إلى سد العجز المتنامي في ميزان المعاملات الجارية.
والسياحة مصدر ضروري للعملات الأجنبية في تركيا، وهي تساعد في سد العجز في ميزان المعاملات الجارية الذي ارتفع 77 في المائة على أساس سنوي إلى 7.68 مليار دولار.
وبذلت تركيا جهودا كبيرة لتحسين العلاقات السياسية والتجارية مع جيرانها في الشرق الأوسط، لكن اضطرابات «الربيع العربي» كلفت رجال الأعمال الأتراك مليارات الدولارات في ليبيا وعطلت مشاريع البنية التحتية في سوريا المجاورة.
واضطرت الأوضاع في مصر وتونس الكثيرين إلى إعادة النظر في خططهم للسفر وينظر إلى تركيا على أنها مستفيدة لأن الوجهات السياحية في الدول التي تعاني من زعزعة الاستقرار تضررت بشدة.
وقال أوزجور التوج، كبير الاقتصاديين في شركة «بي جي سي» للسمسرة: «تركيا مقدمة على موسم سياحي هائل هذا العام مستفيدة من المشكلات في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاستثمارات السياحية الجديدة في البلاد».
وأضاف أن نهاية مايو هي البداية الرسمية للموسم السياحي في تركيا وفي يوليو (تموز) وأغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) ستصل العملات الأجنبية في تركيا إلى ذروتها بسبب ازدياد عائدات السياحة.
وتجاوزت عائدات تركيا من السياحة 25 مليار دولار عام 2010 ويتوقع المسؤولون تحقيق مبالغ أكبر في عام 2011. ومن المنتظر أن يكون قد دخل أكثر من 30 مليون سائح بحلول نهاية العام في ارتفاع عن 28.6 مليون العام الماضي.
ويوجد في تركيا 48 مطارا، 16 منها مطارات دولية وهي موطن واحدة من أسرع شركات الطيران نموا في أوروبا، وهي «الخطوط الجوية التركية»، لذلك فإنها أصبحت نقطة انطلاق لوجهات أخرى.
وقال أولوسوي: «نريد أن يتحسن الوضع في مصر على وجه الخصوص قريبا، وأن تستقر لأنها تمثل مع تركيا عطلة من خطوتين بالنسبة للسائحين الأميركيين».
وتستقبل إسطنبول معظم السائحين، وهي أكبر مدينة في تركيا، وبها القصور والمساجد التي تنتمي لعصر الدولة العثمانية، فضلا عن الأسواق التي يبلغ عمرها قرونا من الزمن، ويليها منتجع أنطاليا المطل على البحر المتوسط.
لكن في حين يتوافد المزيد من العرب على تركيا، فإن عدد السائحين الإسرائيليين الذين زاروا تركيا بين يناير ومايو انخفض بنسبة 59 في المائة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
وتدهورت العلاقات بين الدولتين اللتين كانتا حليفتين وثيقتين بشدة حين اعتلى جنود من القوات الخاصة الإسرائيلية سفينة ضمن قافلة مساعدات دعمتها تركيا كانت متجهة إلى غزة العام الماضي، مما أسفر عن مقتل تسعة نشطاء أتراك.
وزار نحو 30 ألف سائح من إسرائيل تركيا في الأشهر الأولى من العام الحالي مقابل 72500 سائح إسرائيلي زاروا تركيا خلال نفس الفترة من عام 2010.
ولا يزعج هذا فيما يبدو زنجين، بائع المجوهرات، الذي يتطلع إلى وصول المزيد من السائحين العرب.
وقال: «زبائننا العرب من الفئة الأولى الممتازة الذين يختارون أفضل المجوهرات لم يصلوا بعد. نستطيع أن نقول إن الموجودين هنا هم من الفئة الثانية أو الأولى، لكننا ما زلنا نبيع لعدد من العرب أكبر من الأتراك. نتطلع إلى يوليو حين يصل زبائننا الأكثر ثراء».