ربما تمثل منازل المشاهير في لوس أنجليس أكثر مناطق المدينة التي يرتادها السائحون، لكن حتى حال غياب هؤلاء المشاهير، تبقى المدينة محتفظة بمكانتها كمعرض مفتوح للمنازل المثالية الملائمة «للحلم الأميركي». ومع توافر فيالق من المهندسين المعماريين ومصممي الديكورات في هوليوود ممن يتمتعون بمهارات رفيعة في بناء منازل تحاكي مزارع الجنوب الأميركي التقليدية أو قلاع ترانسلفانيا في العصور الوسطى، فإنه من غير المثير للدهشة أن نجد بعض شوارع المدينة مزدانة على جانبيها بمنازل على الطراز التيودوري الإنجليزي أو المزارع المكسيكية، وتبدو أصيلة على نحو يجعلك تشعر أنك بالفعل انتقلت إلى إنجلترا أو المكسيك.
إلا أنه بالنسبة لحفنة من المصممين المعماريين من الأميركيين والأوروبيين المهاجرين الذين وفدوا إلى المدينة في مطلع ومنتصف القرن العشرين، تطرح لوس أنجليس فرصة خلق منزل «كاليفورني» مميز يلائم أذواق الأسر التي تسكنه، بل وربما يصوغها.
وبدلا من مجرد محاكاة أبهة تصميمات معمارية أخرى على نحو مصطنع، اعتمد هؤلاء المصممون على مواد بسيطة مثل الآجر وحديد صلب مصبوب وألواح خشبية حمراء اللون ترص على نحو متداخل، بجانب مواد أخرى جديدة آنذاك مثل فورميكا ومشمع الأرضية ونوافذ مصنوعة من البلور، ونجحوا في ابتكار توجه جديد غير رسمي للحياة انتشر في نهاية الأمر لمختلف أرجاء المعمورة.
الملاحظ أن الكثير من أكثر المنازل ابتكارا، بينها منازل صممها هؤلاء المهندسون لأنفسهم، مفتوحة أمام الجمهور. ورغم قصر الوقت، تمكنت من اختلاس النظر داخل خمسة من هذه المنازل خلال أحد أيام السبت القريبة، أثناء تفقدي بعض أكثر أحياء المدينة سحرا، من باسادينا إلى باسيفيك باليسيدز.
يتمثل أقدم العقارات وأكثرها بهاء في «غامبل هاوس» في باسادينا (4 ويستمورلاند بليس، 626 - 793 - 3334، gamblehouse.org، تذكرة الدخول: 10 دولارات). بني المنزل بين عامي 1907 و1909، ويعد بمثابة أيقونة لحركة «الفنون والحرف الأميركية»، التي تولي اهتماما خاصا بالتصميم الداخلي الذي يتولى مهندسون معماريون تصميم الأثاث والإضاءة والسجاد فيه.
قبل أن تغريهم شواطئ فلوريدا، اعتاد الأثرياء من أبناء الغرب الأوسط الأميركي على التوجه غربا وبنوا قصورا على الطراز الإنجليزي وفيللات على الطراز الإيطالي تحت شمس كاليفورنيا. إلا أن جورج وماري غامبل (مالكي شركة بروكتر آند غامبل) فضلا استلهام التصميم من البيئة المحلية، واستعانا بمصممين معماريين، هما تشارلز وهنري غرين، لتصميم منزل يقضيان خلاله عطلتهما الشتوية. وتتمثل أبرز عناصر هذا المنزل في الأعمال الخشبية الرائعة المنتشرة عبر الغرف المغطاة من كافة جوانبها بالخشب ويزدان المنزل من الداخل بنوافذ من الزجاج الملون اللامع ومصابيح تعكس ألوان قوس قزح، معلقة بأشرطة جلدية وتعكس أنوراها بهدوء.
وأخبرني مرشدي داخل المنزل الذي تميز بذاكرة قوية لحفظ الأرقام أن التصميمات الداخلية أنجزت باستخدام 17 نوعا من الأخشاب غير المألوفة على أيدي 10 من النجارين المحترفين. واستغرق تصميم المنزل ستة شهور، بينما استغرق بناؤه تسعة شهور، وأنجز قبل شهر من الموعد المحدد لتسليمه. بلغت تكلفة بناء المنزل 50.500 دولار، قبل أن تنفق أسرة غامبل 10.000 دولار أخرى على قطع من الأثاث، مثل مزينة خاصة بالسيدة غامبل تمتاز بنقوش خشبية تكمل مزينة زهور خزفية من طراز «روكوود» كان المصممون يعلمون أنها ستوضع فوق المزينة.
ورغم أن مثل هذه التفاصيل قد تبدو اليوم عتيقة الطراز، فإنها كانت بمثابة ثورة طموحة في عالم التصميم، خاصة داخل حي الأثرياء الذي تقطنه أسرة غامبل، حيث تميزت منازل الجيران بقاعات استقبال وأخرى للرقص يغطي جدرانها الرخام والبرونز مطلي بلون ذهبي.
إذا رغبت في قضاء اليوم في المنطقة، يمكنك زيارة مكتبة هنتنغتون وغاردينز بمنطقة سان مارينو القريبة حيث يجري عرض قطع أثاث وفنون زخرفية من تصميم شركات بارزة مثل «غرينز» وفنانين مشهورين مثل ستيكلي.
لكن راودتني الرغبة هناك في الانتقال لزيارة هوليوود، حيث يكلل منزل «هوليهوك» الذي صممه فرانك لويد رايتس (4800 هوليوود بولفارد، 323 - 644 - 6269، hollyhockhouse.net، تذكرة الدخول: 7 دولارات) أحد التلال أسفل مرصد غريفيث. بني المنزل بين عامين 1919 و1923، وكان واحدا من بين أول خمسة منازل بناها رايت في لوس أنجليس في عشرينات القرن الماضي. وكانت زهرة الخطمي الوردي (هوليهوك) الزهرة المفضلة لدى ألين بارنسدال، وهي بارونة ثرية عاشقة للفنون ومحبة للحياة. واشترت جزءا من المدينة يفتقر إلى التنمية على نحو واضح يعرف باسم «أوليف هيل» لتنفيذ خطط لبناء مسرح ومجمع فنون، علاوة على منزل لها. واستعانت برايت لبنائها جميعا، إلا أن العلاقة بينهما تأزمت أثناء عملية تشييد المنزل وتم التخلي عن باقي المشروع.
في تلك الفترة، مر المشوار المهني لرايت بتحول شديد، حيث بات النجاح الذي حققه في منازل «بريري» في شيكاغو مجرد ذكرى، وبات لزاما عليه البحث عن نموذج معماري جديد. في كاليفورنيا، تطلع نحو الطرز المعمارية قبل الكولومبية كمصدر للإلهام، والتي تثير في الأذهان لدى رؤيتها بمظهرها الأشبه بالمعابد صور معابد شعب المايا والأبنية المقامة من الطوب اللبن في جنوب غربي البلاد.
من الداخل، يبدو المنزل مثالا رائعا لقدرة رايت على استغلال المساحات، وتعديل ارتفاعات الأسقف والنوافذ لاجتذاب الناس إلى داخل المبنى.
يعد رايت واحدا من أوائل من استخدموا الخراسانة المعززة، وقد استخدمها هنا في الأفكار المعمارية الرئيسية المهيمنة على تصميم «هوليهوك» الخارجي، بل وحتى الباب الأمامي، والذي يعد الباب الوحيد الذي رأيته مصنوعا من الخراسانة. وتحمل اختياراته لأثاث المنزل أيضا بصمته الإبداعية، خاصة ظهور المقاعد الطويلة الأنيقة، وهو تصميم يستقي وحيه من الخطمي الوردي.
وعلى بعد دقائق قليلة، عند حافة بحيرة سيلفر ليك، يوجد المنزل الذي صممه ريتشارد نيوترا ويحمل اسم «في دي إل 2» (2300 سيلفر ليك بلوفارد، neutra - vdl.org، تذكرة الدخول: 10 دولارات). جرى تطوير المنزل عام 1932 كاستوديو لنيوترا ومنزل لأسرته. ويحمل اسمه الأحرف الأولى بالإنجليزية من اسم رجل الصناعة الهولندي كورنيليس فان دير ليو، الذي شعر بانبهار شديد بعمل المهندس المعماري لدرجة دفعته لمنحه 3.000 دولار كي يبنيه.
كان المنزل الأصلي في صورة أشبه بصندوق أبيض به عدد كبير من النوافذ، إلا أنه تعرض لحريق عام 1963، وبعد ثلاث سنوات بنيت نسخة جديدة من المنزل وهي التي يفد إليها الزائرون حاليا. ويتسم مدخل المنزل برحابته وسلالم ترتفع إلى منتصف المنزل ليبدو نموذجا مثاليا للمنزل العصري في كاليفورنيا. وتبدو شرفة المنزل الموجودة على السطح أشبه بواحة حضرية.
ويشجع المنزل الزائرين على البقاء لفترة أطول، بالاسترخاء على الأرائك أو التمتع بمنظر البحيرة. وتتولى إدارة المنزل مدرسة كال بولي بومونا للتصميم والمعمار والتي يتولى طلابها قيادة الجولات داخل المنزل والعمل في مشاريع الترميم.
كان نيوترا قد قدم إلى لوس أنجليس بناء على طلب من رودولف شيندلر، المصمم المعماري النمساوي والذي يملك منزلا مفتوحا أمام الزائرين الآن أيضا. (وعمل كلا المهندسين المعماريين لحساب رايت أثناء وجودهما بالمدينة).
يقع المنزل المكون من طابق واحد في ويست هوليوود (835 نورث كينغز رود، 323 - 651 - 1510، makcenter.org، تذكرة الدخول: 7 دولارات). بني المنزل عامي 1921 و1922، ويتميز بطابع شديد العصرية نظرا لافتقاره للزخارف المفرطة. وتظهر على الجدران الخراسانية غير المطلية قطع متراصة من الزجاج، تقع على مسافات متساوية من بعضها البعض. وتتميز جدران أخرى من أطر مصنوعة من الخشب الأحمر وقماش قنب مشدود، وبعضها يفتح على حدائق.
ووصف شيندلر المنزل بأنه «يلبي الاحتياجات الأساسية لعاشقي المعسكرات، حيث يوفر خلفية محمية وواجهة مفتوحة ومزود بمدفأة وسطح». ويمزج منزل شيندلر بين الداخل والخارج من خلال الكثير من «الغرف» الخارجية المحمية، وبعضها مزود بمدفأة.
ومثلما الحال مع «غامبل هاوس»، يشتهر «إيمز هاوس» (203 تشاتاكا بلوفارد، باسيفيك باليسيدز، 310 - 459 - 9663، eamesfoundation.org، تذكرة الدخول: 10 دولارات) أيضا بكونه أشبه بدراسة حالة ويوفر لزائره ما يشبه رحلة عبر الزمن. بني المنزل عام 1949 على يد فريق مؤلف من زوج وزوجة هما تشارلز وراي إيمز. وكان جزءا من برنامج لتصميم نماذج سكنية ذكية وبأسعار معقولة في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. الملاحظ أن المنزل نفسه نادرا ما يفتح أمام الجمهور. ونظرا لأن المنزل مكسو في معظمه بالزجاج وبه غرفة واحدة في العمق، فإن النظر إليه يبدو أشبه بالتطلع إلى غرفة من خلال ثقب في جدار ويعكس في مجمله أسلوب الحياة النمطي داخل كاليفورنيا، ويكتمل النموذج بتصميمات رائعة في الأثاث وأعمال فنية يدوية ونباتات منزلية ضخمة، علاوة على مجموعة راي من أعمال خزفية وزجاجية ملونة لا تزال معروضة داخل المطبخ. ويوجد المنزل على المرج في «باسيفيك باليسيدز»، وقد بني المنزل بأكمله على أجزاء سابقة التجهيز. ويتضمن العقار هيكلين مستطيلي الشكل يفصلهما فناء صغير. أحد هذين الهيلكين هو الاستوديو الخاص بالزوجين. ويضم الآن مكاتب لـ«مؤسسة إيمز». ويحصل الزائر على معلومات حول المنزل وتراق تشارلز وراي.