حمامات في لبنان نموذج حيّ للهندسة الرومانية
مجلة عالم أسفار السياحية الالكترونية | 2021-12-03| Hits [426]
عالم الاسفار - النهار اللبنانية: انتشرت الحمامات في جميع أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ولقد صممت بهدف الاستحمام والاسترخاء. كانت الحمامات تضمّ مجموعة متنوعة من الغرف بدرجات حرارة متفاوتة، لكلّ منها استخدامها الخاص، وأضيفت إليها حمامات السباحة، وأماكن للقراءة والاسترخاء، والتواصل الاجتماعي. شكلّت الحمامات الرومانية بمساحاتها الكبيرة نماذج معمارية مميزة، شاهدة على الابتكار الهندسي عند الرومان، وخصوصاً من حيث استخدام القباب والأعمدة المزخرفة. بدأ استخدام الحمامات أولاً في المدن اليونانية القديمة، ولكنها كانت تقتصر حينها على استخدامات علاجية بسيطة، وكانت تفتقر بتصميمها إلى التخطيط، بحيث غالباً ما كانت تُبنى بطريقة عشوائية وبدون تصميم. ولقد قام الرومان بتوسيع فكرة إنشاء الحمامات، لتشمل مجموعة واسعة من المرافق والحمامات التي أصبحت شائعة حتى في المدن الصغيرة في العالم الروماني. وكانت تقع غالباً بالقرب من الساحات والحدائق العامة. بحلول القرن الأول الميلادي، أصبحت الحمامات عبارة عن هياكل متناغمة ومتناسقة بشكل جميل. وكانت تتمتع ببناء فخم وأنيق تزينه أرضيات من الفسيفساء الجميلة والجدران المغطاة بالرخام والتماثيل. في البداية، كانت تسخّن الحمامات باستخدام ينابيع المياه الساخنة الطبيعية التي كانت تُجرّ إلى داخل الحمامات. ولكن منذ القرن الأول قبل الميلاد، استُخدمت أنظمة تسخين أكثر تطوراً، فأصبحت تسخّن المياه باستخدام أنظمة تدفئة موضوعة تحت أرضية الحمّام (hypocaust) مع أفران مخصصة لحرق الأخشاب. بدأ اليونانيون باستخدام هذا النظام أولاً، ولكن ما لبث أن قام الرومان بتحسينها لتحقيق أقصى قدر من الكفاءة. كان يوزّع الهواء الدافئ داخل أرجاء الحمّام من خلال القناطر التي تسمح بمرور الهواء، والأعمدة الفخارية والأسطوانات المجوّفة المتعددة الأضلاع أو الدائرية. كانت ترصف الأرضيات ببلاطات مربّعة طولها 60 سم، ثم تغطّى بالفسيفساء المزخرفة. ولقد سمح استخدام الزجاج في النوافذ أيضاً بتنظيم أفضل لدرجات الحرارة داخل الحمام، إذ سمح لأشعة الشمس بتدفئة الغرف طبيعياً. لعلّ أشهر الحمامات وأكثرها روعة في العالم هي حمامات Lepcis Magna التي بنيت في العام 127م. في قرطاجة، وهي تتميز بقبابها المحفوظة جيداً حتى اليوم. كما وتعدّ حمامات كاراكلا (235 م) الواقعة في روما من أفضل الحمامات الرومانية المحفوظة وأفخمها على الإطلاق. في لبنان خلّفت الحقبة الرومانية مجموعة واسعة من الحمامات في مختلف المناطق. لا تزال هذه الحمامات محافظة على أجزاء من بنائها وتصميمها الجميل حتى اليوم.
حمّامات وسط بيروت
تضم مدينة بيروت مجموعة من المعالم الأثرية الشاهدة على عظمتها وشهرتها التاريخية، خصوصاً في الحقبة الرومانية حين كانت المدينة تشكّل مركزًا لمدرسة الحقوق والقانون الروماني. اكتشفت حمّامات بريتوس الرومانية في عام 1968، على مقربة من السراي الحكومي. ولقد خضعت لعملية تجديد كبيرة في منتصف التسعينيات. تتميز هذه الحمامات بأنها لا تزال تُحافظ حتى اليوم على نظام التدفئة القديم؛ فتظهر في الموقع آثار الأعمدة الفخارية وأقراص الطين التي تنقل الهواء الساخن إلى الأرضيات الرخامية، وتسمح للهواء الساخن بالمرور في الجدران ومن ثم الارتفاع إلى السقف. كان يتألف الحمّام من عدة غرف، بحيث ينتقل المستحم من الحمامات الدافئة إلى الحمامات الساخنة عبر غرف ذات درجات حرارية متفاوتة. كانت تستخدم هذه الغرف للحمّام والتدليك بالزيوت والأعشاب الطبيعية، بالإضافة الى وجود بهو واسع مخصص للراحة والجلسات الاجتماعية التي كانت تتخللها أيضاً الحفلات الموسيقية. وتوجد في الموقع أيضاً، الحدائق الخاصة بالحمامات التي كانت تحتوي على مجموعة متنوعة من النباتات الطبية التي كانت تستخدم خلال الاستحمام. نشير إلى أن مدينة بيروت Roman Berytus كانت تضم سابقاً أربعة حمّامات رئيسية (Thermae)، أنشئ الأول في أوائل القرن الأول في عهد الامبراطور أغسطس. وكانت تشكّل هذه الحمامات آنذاك مكانًا للقاء جميع المواطنين من مختلف الفئات. ولكن أدّى الزلزال الذي ضرب المدينة في عام 551م. إلى تدمير جميع الحمامات.
حمّامات مدينة صور
شهدت مدينة صور في الحقبة الرومانية فترة من الازدهار، خصوصاً وأنها تمكنت من الاحتفاظ بالإدارة الذاتية. فأقيم فيها عدد من المنشآت الهامة الشاهدة على دور المدينة في تلك الحقبة. تقع الحمامات الرومانية في موقع المدينة الأثري لمدينة صور الذي يشكّل جزءاً من المدينة القديمة. ويضم هذا الموقع مجمّعات واسعة تشتمل على الأحياء السكنية والمجمّعات الرياضية والحمامات. كغيرها من الحمامات الرومانية، تقسم الحمامات الى جزءين، القسم السفلي المؤلف من أساسات مقوّسة كانت تستخدم كركيزة للأعمدة الفخارية وأرضية الحمّام الرخامية. استخدمت الأقواس لتوزيع الهواء الساخن بين الأعمدة الفخارية بهدف تدفئة الأرضية الرخامية ومختلف أجزاء هذا الصرح. ولقد جرّت المياه الى الموقع عبر قنوات جرّ المياه المرفوعة فوق القناطر، والتي كانت تنقل من برك رأس العين الموجودة على بعد 6 كلم جنوب المدينة.
حمّامات موقع دير القلعة
عُثر على هذه الحمامات داخل المجمّع السكني العائد إلى الحقبة الرومانية في موقع دير القلعة، القريب من بلدة بيت مري. يقع الحمام إلى شمال الكنيسة البيزنطية، وهو لا يزال حتى اليوم يحافظ على بقايا أجزائه الرئيسية المؤلفة من قاعة الانتظار، والمشلح، والغرف الباردة والفاترة والساخنة. تسمح بعض الأرضيات المدمّرة في الموقع، برؤية أعمدة الفخار والقساطل التي كانت تسهّل مرور الهواء الساخن تحت أرضية الحمام. يرجّح بعض علماء الآثار استخدام هذا المجمّع في بعض الأحيان كمعمد تابع للكنيسة التي أقيمت بالقرب منه.
حمّامات مدينة بعلبك
تقع الحمامات الرومانية في موقع بستان الشيخ الواقع على مقربة من المعابد الرومانية الضخمة. هذا الموقع هو عبارة عن رواق يضم اثني عشر عموداً، كان يشكّل البوابة الجنوبية للحرم الرئيسي. يضم الموقع، الذي كان يشكّل امتداداً للمدينة في أواخر القرن الثاني الميلادي، مبنيين رئيسيين عبارة عن قاعة ضخمة مخصصة للاجتماعات العامة، وحمّامات رائعة تصميمها مستوحى من حمامات تراجان في روما. يعدّ حمّام بعلبك الذي تصل مساحته إلى 10.000 متر مربع، أحد أكبر الحمامات في المنطقة. وعلى الرغم من أنه لم يتبق من بنائه سوى بقايا قليلة من نظام هايبوكوست، وحمام السباحة، وأجزاء من الجدران الخارجية المصممة بطريقة فريدة وجميلة، يعدّ هذا الحمّام شاهداً حياً على الازدهار الذي عرفته مدينة بعلبك في تلك الحقبة.