زرت إسطنبول هذا الشتاء علي متن الإتحاد للطيران ، ورغم انني قصدت هذه المدينة التاريخية العريقة مرات عدة ، الإ إنه في كل مرة اكتشف فيها شيء ينطق بالجمال، فهي المدينة التي تتنسم فيها عبق التاريخ ، وعراقة المكان والزمان معا . إسطنبول بصراحة مدينة مختلفة عن كل مدن الدنيا ، فهي متحف الحضارات الانسانية وموطن الدولة الاسلامية بمساجدها وقصورها وتراثها العريق . في إسطنبول تتعانق القارتان آسيا وأوروبا، وفي العناق يكمن التاريخ الذي تتراكم طبقاته وحقبه منذ آلاف السنين، وعلى ضفتي إسطنبول تشمخ القصور، والمساجد، والجوامع، والكنائس التي لا نظير لها على وجه الأرض، بما تتمتع به من إبداع هندسي تاريخي فريد.
إسطنبول.. جادت عليها الجغرافيا بالجمال، فجعلها فريدة القسمات تجعل زائرها يشعر بالهيبة، والفخر والانبهار، فوراء كل حجر في أي مبنى يصادف الزائر، حكاية، وما أكثر القصص والحكايات في مخزن التاريخ، والتي تتعلق بمراحل فارقة في تاريخ الأمم والشعوب . اقمت في ” قصر تشيران كيمبنكسي ” ومنه انطلقت للتعرف علي المدينة الجميلة واسواقها التاريخية ومساجدها العظيمة وابرزها جامع السلطان احمد ( المسجد الازرق) . هذا الجامع بحد ذاته معلما قلما يوجد مثله علي وجه الارض ، انه معجزة العمارة الاسلامية وفخر تركيا والعالم الاسلامي كله ، في الليل تنشر المقاهي والمطاعم الهادئة بجوار اسوار القسطنطينية ويحلو السهر وتناول العشاء التركي علي انغام العود و التخت الشرقي والرقصات الصوفية الشهيرة .
قصور تاريخية
لا اشعر بالملل وانا اتجول في منطقة تكسيم ، التجارية العتيقة ، وهناك يشعر الزائر للقصور التاريخية في إسطنبول بالحس الجمالي الراقي لمن شيدها .
امضينا بضع ساعات في قصر ( طوب قابي ) المقام منذ اكثر من خمسمائة عام، على ربوة عالية تطل علي مضيق البوسفور وبحر مرمرة وخليج القرن الذهبي في مشهد خلاب، والقصر ليس مجرد قصر واحد كما قد يتبادر إلى الذهن ، فهو مجموعة من المباني التي كانت تشكل مركزا لإدارة شؤون الحكم في الإمبراطورية العثمانية ما بين القرن الخامس عشر، والقرن السابع عشر، وليس من قبيل المبالغة القول إن الزائر قد يحتاج إلى اكثر من أسبوعين إذا أراد أن يتعرف الى كل ما فيه من كنوز وآثار، كما سيحتاج إلى لياقة بدنية للتجوال في عبق التاريخ بكل شموخه، لكن أهم ما يلفته هو الجناح الخاص للآثار المقدسة التي تشمل متعلقات للرسول محمد صلى الله عليه وسلم والخلفاء والأئمة والصحابة، جاء بها السلاطين العثمانيون بعد أن تولوا الخلافة.
والزائر يلمس ذلك بنفسه عند زيارة قصر طوب قابي، أو قصر يلدز، او قصر كوك صو، قصر بيلاربي، أو قصر إينالي قاواك، أو مصلاك، إهلامو، انه في اجمل متاحف الدنيا !
آيا صوفيا
تنوع معالم الجمال لا يتوقف عند ذلك بل يمتد ليشمل عددا كبيرا من المتاحف أبرزها متحف آيا صوفيا اجمل متاحف الدنيا، كذلك متحف الآثار القديمة داخل القاعة الأولى من قصر طوب قابي، ومتحف السيراميك في مبنى جينلي كوشك، ومتحف الفن التركي الإسلامي، ومتحف السجاد التركي ومتحف الموزاييك، ومتحف كاريا، والمتحف الحربي، والمتحف البحري، إلى جانب معالم أثرية لا تخطئها العين منها مسلة ثيودرسيوس، وسبيل أحمد الثالث، وبرج بايزيد، وبرج يلدز الذي يعد اجمل الرموز الرومانسية في المدينة الذي تم إنشاؤه في القرن الثاني عشر فوق جزيرة صغيرة عند مدخل ميناء إسطنبول.
أما الحدائق فينافس بعضها بعضا في جمالها الآسر. ولا يفوت الزائر أيضا القيام بجولة في مضيق البوسفور حتى يجد نفسه هائما في حالة نادرة يتمازج من الهيام، والاستسلام للوقوع في اسر فائض الجمال الذي يحتضن التاريخ
قراءة التاريخ من جديد!
ويجد الزائر للمدينة لأول وهلة أنه مدعو لإعادة قراءة التاريخ من جديد، خصوصا أن المكان شاهد حي في تلك المدينة التي عرفت بعاصمة العواصم، كما يجد نفسه أيضا مدعوا لتأمل الجغرافيا التي حبتها تلك القسمات المميزة، لتلك المدينة التي كانت في السابق عاصمة لثلاث امبراطوريات هي الرومانية، والبيزنطية، والعثمانية ما يجعلها تحتضن تراثا فريدا في غناه وتنوعه.
تربط مدينة إسطنبول آسيا وأوروبا، يحدها من الشمال البحر الأسود، ومن الشرق بحر مرمرة، ومن الجنوب بحر إيجه، ومن الغرب شريط ضيق من الارض متصل بقارة أوروبا، ويربط مضيق البوسفور والبحر الأسود ببحر مرمرة وخليج القرن الذهبي، ما جعلها جديرة بإطلاق وصف بلد البحور السبعة عليها، كما جعلها المركز الاقتصادي لتركيا، فبواخر السفن التجارية وسفن الركاب تقصدها في حركة انسيابية لا تتوقف تجعل الجمال يتجدد كل لحظة فالمشهد في الصباح يختلف عنه في الظهر أو المساء، وفي كل مرة يشعر الزائر أنه يراها للمرة الأولى، انه سحر المكان وجماله الذي يمتد أيضا إلى الغابات، والسواحل الطويلة، والتي تجعلها أماكن مثالية للسياحة والاستجمام تأسر الزائرين من مختلف بقاع الأرض.
اسوار القسطنطينية
كلما مررت عبر احدي بواباتها او كلما جلست بجوارها اتذكر التاريخ وكيف انتظر المسلمون اكثر من ثمانية قرون حتى تحققت البشارة النبوية بفتح القسطنطينية، حتى تحقق ذلك الحلم الغالي الذي طال انتظاره في العشرين من جمادى الأولى عام 857 من الهجرة، الموافق 29 مايو/ أيار 1453 ميلادية.
تحتاج زيارة المدن التاريخية من المسافر إليها إلى اهتمام من نوع خاص حتى يستطيع التفاعل مع آثارها ومعالمها التراثية ومشاهدة كل قديم فيها والاستماع للحكايات والخرافات والأساطير والقصص الشيقة التي تروي تاريخ الشعوب والملوك والأمراء القدامى وأساليب حياتهم وعاداتهم وتقاليدهم. وتعد إسطنبول التي تلقب بمدينة الكنوز واحدة من تلك المدن، فهي الوحيدة في العالم التي تتربع في قارتين على شواطئ مضيق البوسفور، حيث تختلط مياه البحر الأسود بمياه بحر مرمرة. . إنها عاصمة الإمبراطوريات الثلاث روما وبيزنطة والدولة العثمانية.
كانت زيارتنا إلى هذه المدينة ضمن وفد إعلامي من الامارات بدعوة من ” قصر تشيران كيمبنكسي ” للتعرف إلى معالم مدينة الأساطير العجيبة، إسطنبول، حيث نظم لنا برنامج سياحي بالتعاون مع شركة الاتحاد للطيران وشركة هيلين هوليدايز التركية على مدي اربعة أيام شملت زيارة المناطق التاريخية للمدينة وأشهر معالمها.
ويتلمس الزائر إلى هذه المدينة مدى الاهتمام الرسمي والشعبي بصناعة السياحة في المدينة وتنميتها على اعتبار أنها من المصادر الأساسية للدخل القومي، وما يلفت انتباه الزائر لإسطنبول انتشار مساجدها ومآذنها العالية وقببها المصممة حسب الهندسة المعمارية التركية القديمة، ومن اشهرها جامع ايا صوفيا، وهي كنيسة تاريخية بناها قسطنطين الأكبر وأعاد بناءها الملك جوستنيان سنة 532م وحولت بعد الفتح العثماني إلى جامع ثم إلى متحف، وايا صوفيا تعني (الحكمة المقدسة) وهو باسم القديسة صوفيا، ويعتبر المتحف أحد العجائب المعمارية على مر العصور بسبب القبة الضخمة التي يبلغ ارتفاعها 55 متراً وقطرها 31 متراً وبها زخارف بيزنطية من الفسيفساء، وقد دمرتها الزلازل عدة مرات وأعيد ترميمها، وتبلغ مساحة هذا المسجد حوالي 5544 متراً مربعا.
وتفصل حدائق ونوافير بين المتحف وجامع السلطان أحمد الذي يطلق عليه الجامع الأزرق وقد أنشئ بأمر من السلطان أحمد الأول عام 1609م الذي أراد بناء مسجد أكبر حجماً من ايا صوفيا، وله ست مآذن إحداها من الذهب وأكمل بناءه المعماري محمد أغا عام 1616م، ويبلغ ارتفاعه 47 متراً وعرضه 51 مترا وطوله 53 متراً وقطر القبة الوسطى 22 متراً، ويلحق بالجامع مدرسة ودار شفاء وأسبلة مياه ومنقوش على جدرانه زخارف إسلامية رائعة وخطوط تحمل آيات قرآنية.
ويعد الجسر المعلق أحد أبرز معالم إسطنبول الحديثة وهو يربط بين جزأي المدينة الأوروبي والآسيوي وأقيم في 1973م وهو رابع جسر في العالم من حيث الطول (1500م) وارتفاعه 65 مترا وعرضه 33 مترا، وتتلألأ أنواره ليلا لتضيء سماء المساحات الزرقاء من مياه البوسفور، ويستمتع رواد النوادي والمطاعم التي تطل على البوسفور المشهد الجمالي البديع الذي يضيفه هذا الجسر.
الحمامات الشرقية
تعرف تركيا وتشتهر بحماماتها الشرقية التي توجد داخل المدن ويزورها السياح لعمل تنظيف جلدي واسترخاء عضلي يعطي السائح متعة جسدية واسترخاء نفسياً، واتاح فندق” قصر تشيران كيمبنكسي ” الفرصة للاعلاميين لقضاء اوقات مريحة في الحمام التركي المشيد في القصر التاريخي والمزود بأحدث وسائل الراحة والعلاج الطبيعي والتجميل للزوار.
السوق المصري
يقع السوق المصري قرب الجامع الجديد (يني جامع)، ويذكر أن السلطانة خديجة هي التي أمرت بتشييده في القرن السابع عشر الميلادي، وأطلق عليه السوق المصري لأن التجار الأتراك قديما كانوا يجلبون بضاعتهم بشكل أساسي من مصر، وفي وقتنا الراهن يمثل هذا السوق مقصدا سياحيا للسائحين خاصة العرب، حيث يأتون إليه لشراء ما يحلو لهم من اشهر أنواع المكسرات والتوابل والعسل والقهوة التركية الشهيرة والملابس التراثية والهدايا التذكارية وأشهرها (عين الحسد) الذي يحرص جميع التجار الأتراك على وجودها داخل محالهم.
ولايفوت الزائر التجوال في (غراند بازار) الذي يضم حوالي 4400 متجرا لشتي انواع الملابس والمنتجات الجلدية والسجاد والهدايا المصنوعة يدويا في تركيا . وبعد ان ينتهي الزائر من جولته في هذا السوق العملاق يدلف في سوق متعرج للملابس النسائية يعرف باسم ( محمود باشا ) ويعج بالمستوقين ليل نهار وينتهي عند اطراف السوق المصري ويقال ان سوق ( محمود باشا ) المشيد عام 1660 عرف الموضة منذ اكثر من خمسمائة عام.