أعلى

 

 

لا يأبه أكثر من 35 مليون سائح، يزورون تركيا سنويا، بالمتاعب السياسية التي تعانيها البلاد جراء انعكاسات حرب شرسة تجري على حدودها الجنوبية، ونتج عنها نزوح أكثر من مائة ألف لاجئ سوري إلى داخل الحدود التركية. فالجاذبية السياحية التركية، سواء من مدنها التاريخية أو شواطئها الخلابة، تمنح السياح شعورا بالأمان وتعزلهم عن واقع متوتر يعيشه الإعلام التركي هذه الأيام. وتشير آخر الإحصاءات التركية إلى ارتفاع عدد السياح في آخر 12 شهرا إلى 36 مليون سائح، مما يجعل تركيا سادس أكبر دولة سياحية في العالم.

 
وتشتهر تركيا تقليديا بسياحة المدن والشواطئ، ولكنها بدأت في السنوات الأخيرة تستكشف جوانب سياحية أخرى، مثل: سياحة الاستشفاء، والسياحة الثقافية، وسياحة الحوافز والمؤتمرات. وهي أيضا من أكبر مقاصد سياحة السفن (كروز تورز)، وتنتشر بها الشواطئ المشمسة معظم فترات العام، وبها أيضا «ريفييرا تركية» تقع على شاطئ البحر المتوسط بالقرب من أنطاليا التي تعد عاصمة سياحة الشواطئ في تركيا. وتتعدد هوايات السياح إلى تركيا بين الغولف والغطس وتسلق الجبال وركوب الخيل والمشي.

 
ويأتي معظم سياح تركيا من أوروبا، خصوصا من ألمانيا وبريطانيا وهولندا وفرنسا. ولكن الخريطة السياحية التركية تمتد من إيران وحتى روسيا واليابان والولايات المتحدة. ومؤخرا، شهدت تركيا إقبالا عربيا مكثفا على المصايف والمدن، خصوصا بعد نجاح الدراما التركية التلفزيونية في جذب انتباه المشاهدين العرب إلى مجتمع شرقي مسلم محافظ ومنفتح في الوقت نفسه على الثقافات الأخرى. ولا يشعر الزائر العربي بالغربة في تركيا، ولا بالتفرقة التي قد يجدها في بعض الدول الأوروبية. كما ساهمت المتاعب السياسية في دول «الربيع العربي»، مثل تونس ومصر، في تحويل وجهة ملايين السياح منها نحو تركيا. وهناك ملايين السياح الذين ذهبوا مرة إلى تركيا ووجدوا فيها ضالتهم السياحية، ولذلك يعودون إليها عاما بعد آخر.

 
وبينما قد يتوجه معظم السياح الأوروبيين إلى المصايف التركية ولا يختلطون كثيرا بأهل البلاد خارج نطاق المنتجعات التي يسكنونها طوال فترة عطلاتهم، فإن الإقبال العربي يكون أكثر على المدن التركية، وبخاصة إسطنبول التي يجدون فيها مجدا إمبراطوريا إسلاميا من عصور سابقة. وتعد إسطنبول واحدة من أهم المدن السياحية في تركيا، إن لم يكن في العالم. وهي تعج بآلاف الفنادق من كافة درجات النجوم وما تحتها. وبينما يرى بعض الغربيين فيها عاصمة الإمبراطورية البيزنطية، يرى العرب والأتراك فيها عاصمة الخلافة العثمانية. ومن أشهر آثار إسطنبول، جامع السلطان أحمد (الجامع الأزرق)، وقصر توبكاب وسراي دولماباهي، وسوق التوابل والسوق الكبيرة «غراند بازار» وهي سوق مغطاة وتعد من كبرى وأقدم الأسواق المغطاة في العالم. وتضم السوق نحو ثلاثة آلاف متجر ويزورها يوميا ربع مليون متسوق على الأقل.

 
أما أهم شواطئ السياحة في إسطنبول، فتضم بودروم ومرمرة وآلانيا، وهي مقاصد سياحية تشتهر أوروبيا وتأتي إليها طائرات التشارتر مباشرة إلى مطارات قريبة منها. ويتخذ بعض السياح من هذه الشواطئ مراكز لهم ينطلقون منها في رحلات يومية لاستكشاف معالم تركيا السياحية والثقافية الأخرى. ويذهب البعض سعيا وراء بقايا الحضارة الإغريقية، حيث تقع طروادة وبرغامون وأفسس في تركيا الحديثة وكانت في عصور سابقة تتبع الإمبراطورية الإغريقية. وهناك ديار بكر، وهي منطقة سياحية، ولكنها قريبة من صراعات أمنية على الحدود، ولا يذهب إليها السياح بأعداد كبيرة. كذلك، لا تجتذب العاصمة أنقرة الكثير من السياح، رغم أنها تتمتع بالثراء الثقافي وبها مقبرة أتاتورك - مؤسس تركيا الحديثة.

 
وتنتشر الكثير من المتاحف التي تستحق الزيارة في تركيا، مثل: المتحف الإسلامي الذي يقع داخل مجمع السليمانية في إسطنبول، ومتحف إسطنبول العسكري، ومتحف الإمبراطورية العثمانية ضمن 99 متحفا في أنحاء البلاد، بالإضافة إلى 92 متحفا خاصا. ويتعامل الأتراك بالليرة التركية، وهي مكونة من 100 قرش، وتبدأ الأوراق المالية من فئة الخمس ليرات وحتى الخمسين ليرة. وتعادل الليرة التركية الآن 55 سنتا أميركيا، أي إن كل ليرتين توازيان دولارا واحدا وعشرة سنتات. ويبلغ معدل التضخم في تركيا نحو 8% سنويا، ولكن الأسعار ما زالت رخيصة بالمعدلات الأوروبية. فطلب زجاجة من الماء المعدني في مطعم يتكلف ليرتين (دولار واحد) وطلب كابوتشينو يكلف خمس ليرات (دولاران ونصف الدولار). وتكلف الوجبة لشخصين في مطعم تركي نحو 50 ليرة.

 
وتقل الأسعار كثيرا في محلات السوبر ماركت، حيث زجاجة المياه كبيرة الحجم بليرة واحدة، وكذلك الكيلوغرام من البطاطس. أما الطماطم، فهي بسعر ليرتين للكيلو ومثلها البرتقال ورغيف الخبز (500 غرام). وتبدأ رحلات سيارات الأجرة بسعر 2.7 ليرة، بينما يبلغ سعر لتر البنزين 4.45 ليرة. ويحتاج المسافر إلى تركيا إلى تأشيرة دخول، وهي تختلف في شروطها بين بلد وآخر. ولحاملي جوازات السفر السعودية، يمكن الحصول على التأشيرة من مطار الدخول لمدة 30 يوما. وبينما يحتاج المصريون إلى تأشيرة دخول قبل سفرهم، فإن اللبنانيين لا يحتاجون إلى أي إجراءات ويدخلون تركيا بلا تأشيرة ولمدة 90 يوما.

 
المطبخ التركي: من أهم جوانب الجذب السياحي التركي أيضا، مذاق المطبخ التركي، الذي هو أساس معظم وجبات البحر المتوسط والشرق الأوسط. وتعود جذور المطبخ التركي إلى العصر العثماني، وتختلف الوجبات بين المدن التركية المختلفة، حيث تنتمي منطقة البحر الأسود إلى المطبخ الآسيوي وتعتمد أكثر على الأسماك. أما مطبخ الجنوب الشرقي، فيعتمد على المشويات من الكباب والمزة، بالإضافة إلى الحلويات الشرقية مثل البقلاوة والقطايف. ولكن حتى أنواع الكباب ونسبة البهار فيها تختلف من منطقة لأخرى.

 
وما زالت بعض أنواع الأطعمة تحتفظ بأسمائها التركية المعروفة عربيا مثل «السميط»، وهو نوع من الخبز الدائري المغطى بالسمسم ويتناوله الأتراك في وجبة الإفطار. وهناك أنواع أخرى من الأطعمة المعروفة عربيا مثل المسقعة والبريك والضولمة والكفتة والكباب والبسطرمة والسجق والخشاف، والبقلاوة والقطايف، وكلها تقدم في تركيا بالأسماء نفسها. وهناك الحلويات التي تسمى «حالفا» والمشتق منها اسم الحلاوة بالعامية. أما لقمة القاضي، فاسمها التركي «لقمة غولاك» وتقدم خلال شهر رمضان مع حلويات أخرى مثل «عاشورا» و«الغريبة» و«مرزيبان». ويقدم الأتراك الكثير من المشروبات المحلاة بالسكر ويطلقون عليها اسم «شربات». أما الآيس كريم فاسمه «دندرمة». وبعد الوجبات، يمكن طلب الشاي (شاي) أو القهوة (قهفة) أو «السحلب» وهو الاسم التركي للمشروب المعروف.

 
وتقول هيئة السياحة التركية إن الإنجاز الذي تحقق في العام الأخير بصعود تركيا إلى المركز السادس عالميا، لم يحدث مصادفة، وإنما بتخطيط دام نحو 20 عاما، اكتملت خلالها شبكة الطيران المحلي إلى كافة المدن السياحية، وارتبطت تركيا بشبكة طرق سريعة ورحلات منتظمة بين مختلف المدن بالباصات السياحية. وتعمل كافة شركات الفنادق العالمية في تركيا، ويدير بعضها منتجعات كاملة تشمل تسهيلات سياحية متكاملة إلى جانب الإقامة. أيضا، تشتهر تركيا بسياحة اليخوت، بل إن بها صناعة يخوت متقدمة تصدرها إلى أسواق العالم. وتوجد مراس لليخوت في معظم المواني التركية، وتقدم من خلالها كل خدمات التموين والوقود والصيانة والضيافة. ومع ذلك، تعمل تركيا على زيادة سعة هذه المرافئ لاستيعاب الطلب المتزايد عليها.

 
وتتوقع هيئة السياحة التركية استمرار وتيرة النمو السياحي العالية في السنوات المقبلة، وتقول إن النجاح يجذب المزيد من الشركات للعمل في المجال السياحي، حيث وصل عدد الشركات السياحية التركية في عام 2011 إلى نحو 5800 شركة، بينما زاد عدد الغرف الفندقية المتاحة للسياح على نصف مليون غرفة، ووصل أسطول شركة الطيران التركية إلى نحو 120 طائرة. وبلغ الدخل السياحي التركي في العام الماضي نحو 23 مليار دولار، ارتفاعا من 20.8 مليار في العام الأسبق. كما زاد عدد السياح إلى 36 مليون سائح ارتفاعا من 33 مليون سائح في عام 2010. وتعد تركيا قصة نجاح سياحي على حافة منطقة الشرق الأوسط التي يسودها جو من التوتر حاليا يبعد عنها ملايين السياح.

 
* السفارات الغربية تؤكد أن الوضع مستقر في تركيا ولكنها تنصح مواطنيها بالحذر.

 
* لم تغير السفارات الغربية من تقييمها للوضع الأمني في تركيا، في ظل الأحداث الأخيرة لتفتيش الطائرة السورية ثم حظر الطيران السوري مقابل حظر الطيران التركي فوق سوريا، بالإضافة إلى المناوشات العسكرية على الحدود. وتقول السفارة الكندية إن معظم الزوار الكنديين إلى تركيا لا يواجهون أي متاعب وإن الوضع الأمني مستقر، ولكنها تضيف أنه يتعين اتخاذ «قدر عال من الحيطة والحذر».

 
وترى سفارات غربية أخرى أن هناك بعض الأخطار المحلية والدولية من جماعات إرهابية، وتذكر هجمات بقنابل موقوتة كان إحداها في شهر مارس (آذار) الماضي في إسطنبول، ونتج عنها جرح 15 ضابط شرطة تركيا، والثاني في سبتمبر (أيلول) في وسط أنقرة، وراح ضحيته بعض المارة من الأتراك. وتحذر السفارات من الأماكن المزدحمة والمواقع الحكومية ومناطق الحدود مع سوريا. وتصنف السفارات منطقة الحدود مع سوريا على أنها منطقة خطرة يجب تجنبها وعدم السفر إليها لغير المضطر لذلك.