يعد الأسبوع الأخير من كل عام، أو ما يطلق عليه موسم عطلة نهاية العام، من الأوقات السحرية في لندن للكبار والصغار على السواء. وتجري الاستعدادات لهذا الأسبوع قبلها بشهور، حيث تستعد محلات الهدايا والمطاعم والفنادق ومعالم لندن المختلفة لإقبال شديد على التسوق وحجز المقاعد في العروض المسرحية والتمتع بمعالم لندن، ليس فقط من سكان العاصمة، وإنما من عشرات الآلاف من الزوار والسياح، الذين يفدون إليها خصيصا في هذا الموسم. وينظر كثير من المنشآت السياحية إلى هذا الوقت من العام على أنه موسم الذروة. وترتفع خلال الموسم أسعار الإقامة الفندقية ويصعب الحصول على مقاعد في المطاعم والمسارح والمواقع السياحية، ولذلك فالاستعداد للموسم قبله بأسابيع هو العرف المعهود في لندن سنويا. ومثلما الحال في الثقافات الأخرى، فإن موسم نهاية العام في لندن له مراسم معينة تتكرر سنويا كعادات بريطانية متأصلة. وتجمع الاحتفالات بين أعياد الميلاد التي تقام يوم 25 ديسمبر (كانون الأول) وليلة رأس السنة. وتلجأ معظم الشركات إلى إغلاق أبوابها خلال الأسبوع الأخير من العام الذي يتخلله يوما عطلة، وتفصل بينهما وبين نهاية الأسبوع 3 أيام عمل. وفي أعياد الميلاد، جرى العرف على أن تتجمع العائلات حول غداء تقليدي يتقلد فيه الديك الرومي الموقع الرئيسي. ويأتي لزيارة عائلات لندن أبنائها من كل أنحاء العالم، يصطحبون معهم الهدايا. ومن لا يستطيع السفر، يبعث بهداياه بريديا مصحوبة ببطاقات التهنئة بالموسم والعام الجديد. ولهذا فإنه أيضا من أشد أوقات العام ازدحاما في مكاتب البريد.
ما يعرفه زائر لندن عن أهم معالم هذه الفترة هي الأضواء والزينة في شوارع العاصمة وأهمها «أكسفورد ستريت» و«ريجنت ستريت». وتتعاون المحلات التجارية في شوارع منطقة التسوق في وسط لندن لإضافة لمسات الزينة المبتكرة كل عام لجذب الزبائن. وتحول هذه الأضواء ليل العاصمة إلى نهار، وتصطحب العائلات الأطفال خصيصا إلى لندن لمشاهدة الأضواء. ولكن هناك كثير من المعالم الأخرى التي يمكن زيارتها إلى جانب مشاهدة الأضواء. ففي حديقة هايد بارك يخصص ركن منها للتزلج على الجليد على مساحة مبردة، لأن لندن في معظم السنوات لا تنخفض الحرارة فيها عن الصفر ليلا في هذا الوقت من العام، بحيث يكون الجليد فيها طبيعيا. ويطلق على هذا الركن اسم «وينتر وندرلاند» وهو أشبه بمدينة ملاهٍ ليلية حول مضمار للتزلج على الجليد. وتقام ساحة تزلج أخرى في حديقة متحف العلوم الطبيعية في غرب لندن. هناك أيضا عدة أسواق مفتوحة في لندن متخصصة في كل ما يلزم فترات العطلات من هدايا وتحضيرات ومنها سوق «ساوث بنك» وهي منطقة مسارح وعروض ثقافية تقع على نهر التيمس بالقرب من عجلة لندن الشهيرة، ومنها سوق «كوفنت غاردن»، وهي منطقة تسوق تقليدية على الجانب الآخر من النهر، وتقع بالقرب من دار الأوبرا الملكية، وهناك سوق كامدن شمال لندن، وتقع بجوار فرع مائي صغير لنهر التيمس.
وتستعد المحلات الكبرى في لندن للمناسبة بتخزين كمّ كبير من البضائع، وأحيانا بتقديم حسومات وفتح منافذ بيع متخصصة على الإنترنت. ومن أهم محلات لندن التي تجذب زبائنها بعروض الأضواء والتصميم المبتكر لواجهاتها كل من «هارودز» في ضاحية «نايتسبردج» الأرستقراطية، و«سيلفردجز» في أكسفورد ستريت، و«ليبرتي» بالقرب من ميدان أكسفورد، و«فورتنوم أند ميسون» وهو خاص بالأطعمة والمعلبات ويقع في شارع بيكاديللي، وجون لويس في أكسفورد ستريت، و«فينويك» في بوند ستريت. وهناك أيضا سلسة متاجر «هاوس أوف فريزر» ومحلات «برايمارك» التي تبيع منتجات جيدة ورخيصة. ويوجد محل شهير للعب الأطفال في ريجنت ستريت اسمه «هامليز» وهو يستحق الزيارة بالفعل لكل الأطفال الزائرين للندن خلال فترة نهاية العام. وتصل موجات الشراء من هذه المنافذ التجارية إلى درجات محمومة في الأيام القليلة السابقة لموسم عطلات نهاية العام. وتغلق جميعها الأبواب، بالإضافة إلى كل خدمات المواصلات والمصالح الحكومية والبنوك يوم 25 ديسمبر (كانون الأول)، وتعيد المنافذ التجارية فتح أبوابها يوم 26 ديسمبر، في موسم تخفيضات هائلة للتخلص من البضائع التي لم تُبَع أثناء فترة العطلات. وهي فترة يستغلها كثير من زوار لندن من أجل التسوق بأرخص الأسعار. وتستمر الأوكازيونات إلى نهاية الأسبوع الأول من شهر يناير (كانون الثاني) من العام الجديد.
من ناحية أخرى، تجري استعدادات من نوع آخر لقضاء ليلة رأس السنة في لندن ومشاهدة ساعة «بيغ بن» وسماع دقاتها الشهيرة في منتصف ليلة آخر العام؛ تعلن نهاية عام وبداية عام جديد، وتبدأ دقائق العام الجديد بعرض ألعاب نارية في لندن، مما يعد من أفضل العروض في العالم بالتنافس مع مدن أخرى تمتد من أقصى الشرق في سيدني، أستراليا وحتى المدن الأميركية، بداية من نيويورك. وتزدحم شوارع لندن في تلك الليلة بالمحتفلين من كل أنحاء العالم، ويسود الشوارع جو من المرح والتواؤم الاجتماعي، وهي من المناسبات القليلة في لندن التي لا يجد فيها أهل لندن أي حرج في التحدث مع الأغراب وتهنئتهم بالعام الجديد. وفي تلك الليلة تقوم شركات كبرى برعاية المواصلات في لندن وحتى ساعات مبكرة من صباح أول أيام العام الجديد، حيث تعمل خطوط مترو الإنفاق والباصات ساعات إضافية، ويكون السفر عليها مجانا. وخلال فترة العطلات، تتألق معالم لندن التقليدية التي يمكن للزائر أن يجربها أثناء وجوده في فترة نهاية العام، ومنها متحف العلوم في غرب لندن، والمتحف البريطاني في حي هولبورن، وكثير من العروض الفنية في معارض مثل «ناشيونال بورتريه غاليري» و«تيت مودرن»، ومعارض «باربيكان» و«تاور بريدج». وهناك بالطبع عشرات المسارح وقاعات للعروض الفنية والموسيقية منها «رويال ألبرت هول»، ومعرض الشمع «مدام توسو». ويمكن أيضا تنظيم زيارات إلى مبنى البرلمان وإلى قصر باكنغهام أو ضاحية غرينتش حيث المتحف الملكي. وهناك أيضا «برج لندن» التاريخي الذي كان يستخدم سجنا في العصور الوسطى.
ويمكن الدخول إلى بعض هذه المعالم مجانا مثل المتحف البريطاني، ومعرض «ناشيونال غاليري» ومتحف التاريخ الطبيعي ومعرض «تيت مودرن». وهناك معالم أخرى لذوي الاهتمامات الخاصة مثل ملعب ويمبلي الشهير في شمال غربي لندن، أو ملاعب ويمبلدون للتنس في ضاحية ويمبلدون جنوب العاصمة. كما يوجد مجمع تسوق هائل، حديث النشأة نسبيا اسمه «ويستفيلد»، ومجمع آخر للمعارض في أقصى شرق العاصمة، اسمه «اكسيل لندن». ولذوي الميول الخاصة يمكن ترتيب رحلات لزيارة معالم لندن التاريخية، أو جولة على المسارح أو الأسواق أو المقاهي أو الحدائق العامة الكثيرة التي تنتشر في أنحاء لندن. وفي فترة نهاية العام يمكن القيام بجولة في وسط المدينة لمشاهدة أضواء الشوارع وتصميمات الواجهات التجارية. ويمكن مشاهدة بعض العروض الموسيقية والفنية في قاعة «أو 2» الشهيرة في شرق العاصمة. كما يمكن أيضا مشاهدة عرض تغيير الحرس الملكي صباحا في ساحة قصر باكنغهام. يمكن أيضا الاستمتاع بمشاهد لندن من باصات خاصة تنطلق في دورات متتالية لاستعراض معالم لندن للسياح. ويستمع السياح إلى شرح لهذه المعالم بلغتهم من على مقاعدهم داخل الباص. كما يمكن تنظيم جولات نهرية، وإقامة الحفلات والمناسبات الخاصة على يخوت في النهر. ولمن يريد النظر إلى لندن من موقع مرتفع، هناك خيارات مثل ركوب عجلة لندن «لندن آي» في دورة بطيئة تستغرق نصف ساعة، أو الصعود إلى أعلى مبنى في أوروبا الغربية، واسمه «شارد» ويقع في شرق العاصمة، ويطل عليها من على ارتفاع 310 أمتار.
وأثناء الوجود في لندن، لا بد من تجربة خدمات التاكسي الأسود المميز، وركوب الباصات الحمراء ذات الطابقين، واستخدام مترو الأنفاق وفق خريطة سهلة الاستخدام توضح كل الخطوط بألوان مختلفة. ويمكن شراء بطاقات «اويستر» للمواصلات التي يمكن استخدامها للمترو والباصات على السواء. وتتراوح خيارات الإقامة بين الفنادق والمنازل الخاصة والضيافة لدى عائلة بريطانية ونوع صغير من الفنادق يقدم وجبة الإفطار مع المبيت، ويطلق عليها اسم «بيد أند بريكفاست». وهي خيارات تناسب كل الميزانيات. إن عطلة نهاية العام في لندن تناسب كل الأعمار وتبقى في الذاكرة مدى الحياة.