تزخر مدينة إسطنبول التركية بالعديد من المعالم الأثرية العتيقة التي تستقطب السياح من جميع أنحاء العالم، منها مثلاً ما يُعرف باسم “القصر الغاطس”، وهو عبارة عن صهريج عملاق تم بناؤه تحت الأرض ليكون خزاناً لإمداد اسطنبول القديمة وسكانها وجيشها بالمياه العذبة في حال حصار المدينة. ويقع القصر الغاطس، الذي يُعرف أيضاً باسم “صهريج بازليكا”، بالقرب من جامع ومتحف وكنيسة آيا صوفيا بمنطقة السلطان أحمد، وتم تشييده في عهد الإمبراطور البيزنطي جستنيان في الفترة من 532 إلى 542 ميلادية.وينصح المؤرخ التركي أتيلا تاسكي السياح بزيارة القصر الغاطس في الصباح بعد فتح أبوابه أمام الزوار في الصباح الباكر أو في وقت متأخر بعد الظهيرة، وهي الفترة التي لا يتدفق فيها أعداد غفيرة من السياح على هذا الصهريج. ويؤكد المؤرخ التركي روعة المكان بقوله “يعتبر القصر الغاطس من المعالم السياحية الجديرة بالمشاهدة بحق، حيث يوجد 12 صفاً من الأعمدة، ويشتمل كل صف على 28 عموداً يصل ارتفاعه إلى ثمانية أمتار، وتحمل هذه الأعمدة الرخامية القباب المشيدة من الطوب، ويصل سُمك الجدران، المعزولة بواسطة ملاط خاص، إلى أربعة أمتار”.
أسطورة الميدوزا
يعتبر تاسكي “رؤوس الميدوزا المنحوتة من أبرز عوامل الجذب السياحي في القصر الغاطس. وكانت تستخدم قاعدة لاثنين من الأعمدة الداعمة. وأثناء تشييد هذا الصهريج اضطر العمال إلى تعويض ارتفاع الأعمدة، التي يرجع معظمها إلى العصر الروماني، من خلال استعمال الخامات المتوافرة في المنطقة”. وترجع أسطورة الميدوزا إلى الحضارة اليونانية القديمة، حيث كانت الميدوزا حسب الأسطورة في البداية فتاة جميلة، غير أنها وقعت في الخطيئة مع بوسيدون في معبد آثينا وهذا ما جعل آثينا تغضب، فحولتها إلى امرأة قبيحة المنظر كما حولت شعرها إلى ثعابين، وكان كل من ينظر إلى عينيها يتحول إلى حجر. ويتجول السياح على ممرات خشبية في الجزء المخصص للزيارة من هذا الصهريج الذي يبلغ طوله 140 متراً وعرضه 65 متراً. وهناك مصابيح خاصة تنبعث منها إضاءة خافتة لتكشف الطريق أمام السياح وتوضح مظاهر الجمال البديع وروعة الهندسة المعمارية بالقصر الغاطس. وفي خلفية هذا المشهد يستمع السياح إلى موسيقى كلاسيكية حالمة. وتغطي أرضية هذا الصهريج طبقة من المياه الصافية يبلغ ارتفاعها 40 سنتيمتراً، ويلقى بها السياح العديد من العملات المعدنية، ولا يسبب هذا الأمر أي إزعاج للأسماك الكبيرة التي تسبح في المياه الصافية وتأكل من الخبز الذي يلقيه لها السياح. وأوضح المؤرخ التركي أن سعة الصهريج تصل إلى 80 ألف متر مكعب من المياه، وكانت المياه تتدفق إلى هذا الخزان المشيد تحت الأرض خلال الفترة البيزنطية عبر القنوات التي تمتد لمسافة 20 كيلومتراً من منطقة الغابات المحيطة.
جيمس بوند
خلال حقبة الستينات من القرن الماضي ظهرت الأجواء الداخلية للقصر الغاطس لأول مرة للجمهور، حيث قام جيمس بوند بالتجديف داخل هذا الصهريج للوصول إلى المدخل السري للقنصلية السوفييتية خلال أحداث فيلمه الشهير “من روسيا مع الحب”، وكان مستوى المياه آنذاك أعلى من المستوى الحالي، وكانت طبقة الطين والطمي أكثر سُمكاً. وخلال حقبة الثمانينات تم فتح أبواب القصر الغاطس أمام السياح بعد إجراء العديد من أعمال التنظيف والتجديدات الشاملة. وتتدفق أعداد غفيرة من السياح على القصر الغاطس عندما ترتفع درجة الحرارة بمضيق البسفور، لكي ينعموا بالهواء البارد المنعش على الرغم من وجود بعض الرطوبة. وتبلغ كلفة دخول صهريج بازليكا نحو 10 ليرة تركية، ويضم الصهريج أيضاً مطعماً فاخراً يقدم للسياح أشهى الأطعمة والمشروبات التي تخفف عنهم ظمأ الصيف الشديد.