أعلى

 

تنتاب أصحاب المحال التجارية في بريطانيا مخاوف متزايدة، وخصوصا الواقعة في الشوارع التجارية الرئيسة مثل أكسفورد وريجينت في لندن، والسبب في ذلك لا يعود للركود الاقتصادي فحسب، بل لتحد لم تعتد عليه الشوارع التجارية، ألا وهو التسوق عبر الإنترنت. إن هذا قد لا يعني إغلاق المحال التجارية فقط، بل إن شارعا تجاريا عريقا مثل شارع أكسفورد، يأتيه السياح من كافة أصقاع الأرض للتبضع، قد يختفي من خريطة الشوارع التجارية، وتتحول محاله الشهيرة مثل “جان لويس، نكست، سلفيريدجز″ إلى محال كوفي شوب ومطاعم ومحال للمأكولات السريعة. ووصل التشاؤم عند بعض التجار إلى حد الاقتناع بأن عصر الأسواق التجارية في طريقه للاندثار، وأن الكوفي شوب والمطاعم ومحال المأكولات السريعة ستحتل محالهم. وقال بوث نِك مسؤول في قسم المبيعات في سلسلة محال دبنهام البريطانية الشهيرة: “أنصح السياح بالتقاط الصور التذكارية لشارع أكسفورد أو شارع ريجينت التجاريين، والاحتفاظ بها للذكرى، فهذان الشارعان سيختفيان في منتصف القرن الحادي والعشرين”. 

 

وعلل ذلك بأن شارعا مثل أكسفورد يعود تاريخه لمنتصف القرن التاسع عشر، هو أشهر شارع تجاري عالميا والأكثر ازدحاما، لقد صمد أمام عشرات الأزمات الاقتصادية، وصمد أمام قصف طائرات هتلر، لكنه سيلفظ أنفاسه الأخيرة بفضل قصف الإنترنت له. وأضاف أن التسوق عبر الإنترنت يقضي علينا، فالبضائع أرخص، وتصلك لباب المنزل، فلماذا تذهب للسوق وتتبضع إذا كان السوق يمكن أن يأتي إلى باب دارك. لكن البيانات الرسمية المتاحة ربما لا تكون بذات الدرجة من تشاؤم بوث نِك، لكنها تكشف عن تهديد خطير يواجه الأسواق التجارية التي اشتهرت بها بريطانيا. وتغلق 50 محلا تجاريا في بريطانيا كل أسبوع، من جراء الخسائر الناجمة عن التسوق عبر الإنترنت، و24 في المائة من المحال التجارية أغلقت في بعض البلدات البريطانية، والسبب أيضا التسوق الإلكتروني.


 
ويقول نك بوبي صاحب محل ملابس في منطقة توتنهام كورت في وسط لندن. “نعم. التحدي خطير بالنسبة لنا نحن أصحاب المحال التجارية، خاصة الصغيرة منها التي لا تتحمل الخسائر لفترة طويلة، والكارثة أننا لم نفلح حتى الآن في إيجاد حلول لمواجهة ضربات الإنترنت”، متوقعاً أن تشهد السنوات العشر القادمة اختفاء محال تجارية كبيرة وصغيرة على حد سواء.  ويضيف “أنت تجد السلعة نفسها على الإنترنت بسعر أقل، وأنا متأكد أن التسوق الإلكتروني سيغير خريطة الأسواق التجارية في لندن تماما في منتصف هذا القرن، فهناك شوارع تجارية شهيرة ربما تختفي تماما وتتحول إلى منطقة مطاعم أو كوفي شوب، أو متنزهات عامة، لكن سيظل هناك دائما أسواق تجارية” – وفقا لنيك بوبي. من جهتها، قالت جين سام التي تعمل مشرفة على أعمال النظافة في هيئة الإذاعة البريطانية: “ليذهب أصحاب المحال التجارية للجحيم، فأسعارهم مبالغ فيها للغاية، لدي ثلاثة أطفال في أعمار مختلفة، ولم أعد أذهب للمحال التجارية، فكل ما أريده أحصل عليه عن طريق التسوق الإلكتروني”. وأضافت أنها تذهب إلى المحال التجارية فقط من أجل تحديد نوع وشكل ومقاسات الملابس التي تريدها، ثم تعود إلى المنزل وتشتريها عبر الإنترنت.

 

 وحول الفوائد التي تحققها عبر ذلك، أشارت إلى انخفاض الأسعار وتعدد الخيارات في الإنترنت، أضف إلى ذلك الراحة، فتخيل أن تحمل كل هذه المشتريات وأنت عائد إلى المنزل بعد يوم عمل مرهق. لكن أندرو دين، أستاذ مادة الرياضيات في مدرسة كلسي بارك، فيعتقد أن هناك مبالغة متعمدة في الترويج للتسوق عبر الإنترنت، مؤكدا أن تجربته في هذا المجال سيئة للغاية. وقال “أخطر شيء أن أرقام بطاقات الائتمان يمكن أن تسرق بسهولة، وهذا ما حدث لي ولزوجتي. لقد خسرنا مبلغا كبيرا من المال. نعم المصرف قام بتعويضنا، لكننا لعدة أسابيع كنا تحت ضغط نفسي كبير، التسوق عبر الإنترنت لا يوجد فيه متعه تلَمّس الأشياء ومعرفة كيف تبدو عليك، خاصة إذا كنت ستشتري حلة جديدة مثلا”. وقالت دراسة بريطانية إن البريطانيين الأكثر ولعا بالشراء عبر الإنترنت مقارنة بأي دولة أخرى متقدمة، فالمواطن البريطاني ينفق نحو 1083 جنيها استرلينيا على التسوق الإلكتروني، يليه الأسترالي الذي لا تتجاوز نفقاته 842 جنيها استرلينيا. وبلغ معدل نمو التسوق الإلكتروني في بريطانيا 16 في المائة عام 2011، مقارنة بعام 2010، لتبلغ القيمة الإجمالية للشراء عبر الإنترنت 68 مليار جنيه استرليني، ليقفز الرقم إلى نحو 77 مليار جنيه استرليني العام الماضي، رغم الأزمة الاقتصادية.