عمرها أكثر من 20 مليون سنة وتصميماتها تحمل توقيع الطبيعة ، تضم سورية عددا من المغارات والكهوف السياحية الجميلة في وسط وجنوب وغرب البلاد، ومنها ما هو مستثمر سياحيا، والآخر يحتاج لبعض الأعمال والتنظيم لاستثماره وفتح أبوابه أمام السياح، وتتميز هذه المغارات بعراقتها وتاريخها الموغل في القدم حيث يعود أقدمها إلى نحو 50 مليون سنة، كما تتميز بتشكيلاتها الطبيعية البديعة من الصواعد والهوابط (ترسبات كلسية) المدلاة داخل المغارات من أسقفها وجدرانها. «الشرق الأوسط» تستعرض بعض المغارات والكهوف في سورية: مغارات الضوايات: في منطقة الجبال الساحلية السورية وتحديدا في محافظة طرطوس وحيث يلتقي الوادي بالجبل بالبحر من خلال سلسلة طبيعية جميلة تتموضع بلدة «مشتى الحلو» الجميلة التي تعتبر من أجمل المواقع السياحية السورية وتضم أشهر المنتجعات، قرب مشتى الحلو وعلى بعد نحو 1500 متر فقط أي عشر دقائق عن مركز البلدة تتموضع مغارة الضوايات التي تعتبر من أقدم المغارات التي تم استثمارها سياحيا من قبل السوريين التي اكتشفت من قبل أهالي المنطقة سنة 1914 أي قبل 95 عاما. وحسب تقديرات الجيولوجيين فإن عمر هذه المغارة نحو 20 مليون سنة أي من عمر مغارة جعيتا اللبنانية الشهيرة، وترتفع المغارة عن سطح البحر 750 مترا.
والضوايات استثمرت سياحيا قبل نحو 40 عاما وتمت إنارتها من الداخل، وتبلغ مساحتها من الداخل 500 متر، وأخذت المغارة اسمها الضوايات من وجود فتحات في سقفها، وتتميز المغارة أيضا بمناظر بتصميمات رائعة من عمل الطبيعة، وفيها نفق ضيق انسيابي الشكل يأخذك إلى قاعات عمرها من عمر المغارة.
الوصول إلى مغارة الضوايات سهل بالسيارة أو مشيا على الأقدام من بلدة مشتى الحلو فالطريق إليها معبد بشكل جيد، والتجول داخل المغارة ممتع.
وليس بعيدا عن مغارة الضوايات وفي محافظة طرطوس أيضا تقع مغارة بيت الوادي قرب بلدة دوير رسلان في جبال الساحل السوري، والوصول لهذه المغارة المستثمرة سياحيا سهل من خلال الطريق الدولي الواصل بين مدينتي حمص واللاذقية مرورا بمدينة طرطوس وقبل الوصول إلى طرطوس بنحو 25 كلم يتموضع المفرق الموصل للمغارة.
وإذا ما اجتزنا بالسيارة مدينة طرطوس واتجهنا نحو اللاذقية وبالقرب من مدينة بانياس على مسافة نحو 30 كلم تتموضع مغارة البارودية في وادي يسمى وادي الحمام بمنطقة بانياس وهي مغارة بلا حدود ومقسمة إلى غرف نظامية وممرات طبيعية وهوابط وصواعد. وليس بعيدا عنها أيضا تجد مغارة ثانية على مسافة 200 متر فقط تسمى مغارة الشير التي لم تستثمر بعد بشكل جيد ولا يعرف مداخلها وغرفها إلا السكان القريبين منها.
مغارة القصير (الأسطورة): بعد أن خرجنا من مغارة الضوايات ومع دهشة مرافقي وانعقاد لسانه للحظات بعد خروجه من عالم غريب عجيب قال مندهشا ونحن نهم بركوب السيارة: «هل يعقل أننا كنا قبل دقائق في مكان عمره 20 مليون عام لا أصدق ذلك». فضحكت وقلت له صدّق يا صديقي فهناك مغارة أخرى في سورية عمرها 50 مليون عام، وبالفعل توجد مغارة القصير قرب بلدة القصير السورية في محافظة حمص شمال غربي العاصمة دمشق التي تبعد 30 كلم عن مدينة حمص باتجاه الحدود اللبنانية كما تبعد نحو 5 كيلومترات فقط عن منابع نهر العاصي في منطقة الهرمل الحدودية ويمكن الوصول إليها مباشرة من الطريق الدولي الذي يربط العاصمة دمشق بحمص قبل الدخول إلى حمص بنحو 15 كلم حيث يوجد على يمين الطريق مفرق القصير وعلى مسافة 15 كلم فقط عن الطريق الدولي تتموضع المغارة الأعجوبة التي اكتشفت صدفة قبل نحو 12 عاما عندما كان عدد من عمال شركة حكومية يفجرون الصخور في موقع لبناء سد سطحي وكشفت الأعمال وجود هذه المغارة.
والمغارة لم تستثمر سياحيا بعد كما قال لنا رئيس مجلس مدينة القصير المهندس حسين بلال بسبب الحاجة لإمكانيات مالية كبيرة لاستثمارها تفوق مقدرة مجلس المدينة على تحملها، هذه المغارة الأعجوبة نالت شهرة كبيرة عند اكتشافها خاصة من قبل الباحثين العلميين الجيولوجيين وغيرهم، ومنهم الدكتور شاكر مطلق وهو طبيب وشاعر وباحث في مجال العلوم ومن أبناء محافظة حمص حيث تقع المغارة، وقال لنا إنها أسطورة فعلا وقدّر عمرها بأكثر من 70 مليون عام وليس 50 مليون عام كما تم تداوله حين اكتشافها. وتتميز المغارة بمدخل عرضه نحو 10 أمتار وبارتفاع مترين ناجم عن تفجير الصخور يدخل منه إلى العمق أكثر فأكثر حيث ما زال هذا القسم من المغارة منارا بضوء طبيعي، يهبط بضعة أمتار لتشاهد مناظر فريدة من الصواعد والهوابط، وعند حافة المنحدر تشاهد تشكيلات مذهلة على شكل شلالات حقيقية بنية اللون أو بيضاء وفي السطح هناك عدد هائل من الهوابط متعددة الأقطار، إحدى الباحثات أيضا من مدينة حمص وهي الدكتورة فاتنة الشعار وصفت هذه المغارة بأنها آية من آيات الجمال والفن أبدعتها يد الطبيعة بشكل لو اجتمع فنانو الأرض جميعا لما استطاعوا أن يبدعوا مثلها. تهوية المغارة جيدة ودرجة الرطوبة معتدلة خاصة في فصل الصيف حيث تصل الرطوبة إلى 55% وفي الشتاء إلى 98% وبالتالي لا يشعر الزائر بأي انزعاج داخلها. تتألف المغارة من قاعة رئيسية كبيرة بمساحة تقدر بنحو 2350 مترا مربعا ويصل أقصى بعد لها إلى 125 مترا وأقصى عرض 26 مترا وبارتفاع 17 مترا، يتراوح طول النوازل بين نصف متر وتسعة أمتار وتنغرس الأعمدة في قاعدة المغارة وكأنها سهام تشير بطرفها العلوي إلى سقف المغارة الموشى بالرسوم الطبيعية ويتقابل في كثير من الأحيان العمود الصاعد مع النازل ليشكلان عمودا واحدا، وفي المغارة نحو 20 عمودا يتراوح طولها بين 8 إلى 16 مترا تتميز بألوانها الجذابة المتعددة؛ الأبيض والأسود والموشى بألوان أخرى وكأنها تماثيل بأبعادها المغزلية والأسطوانية أو الأنبوبية بالإضافة للستائر على أشكال سيوف ورؤوس. وما يميز المغارة أيضا وجود بعض السراديب. وبعض الباحثين يعتقد أن مغارة القصير تتشكل من عدة طوابق لم تظهر جميعها.
مغارة عريقة جنوب دمشق: ونترك مغارة القصير والدهشة تعقد لساننا وحالنا يقول ما أروع الطبيعة وهي تنسج من الصخور مناظر لا يمحوها الزمن ولا السنوات حتى ولو كانت عشرات الملايين من السنين. ونتركها لنأخذ طريق دمشق الدولي من حمص ولننطلق إلى المنطقة الجنوبية من دمشق حيث جبل العرب ومحافظة السويداء، هنا وعلى مسافة نحو 70 كلم عن دمشق جنوبا و25 كلم عن السويداء شمالا تتموضع مغارة «عريقة» وهي بالفعل اسم على مسمى فالعراقة فيها لا حدود لها، وهي كالمغارات الأخرى تضم مناظر طبيعية جميلة من صواعد ونوازل، وفيها نبع ماء، وتتميز بدفئها شتاء وبرودتها صيفا مما جذب لها السياح على مر الفصول والأوقات من السنة، كما أقيم بجانبها منتزه جميل تقام فيه الحفلات على مدار أيام السنة.
وفي محافظة السويداء هناك أيضا مغارة «قنوات» التي تتوسط موقعا أثريا جميلا يضم عددا من الأوابد التي تعود للعصر الروماني ولفترة العرب الأنباط، هنا وبين بساتين كروم العنب تتموضع مغارة قنوات التي يزيد طولها عن 2 كلم وعرضها من 3 - 6 أمتار وارتفاعها من 2.5 - 5 أمتار، وتتميز بطقسها اللطيف. ويعتقد البعض من أهالي المنطقة أن المغارة مفيدة صحيا، بسبب رطوبة مناخها المعتدل، وهذا النوع من المناخ مفيد لمرضى الربو والتحسس والجهاز التنفسي والباحثين عن الهدوء والسكينة وعن علاج للقلق والاكتئاب النفسي.