السياحة العلاجية في ماليزيا استشفاء وراحة
برز قطاع السياحة العلاجية خلال السنوات القليلة الماضية بوصفه أحد القطاعات التي تجتذب أعدادا مقدرة من زوار ماليزيا خاصة من الدول العربية والإسلامية. ويأتي الاهتمام المتزايد بهذا القطاع في إطار جهود وزارة السياحة الماليزية لتنويع المنتج السياحي الماليزي على نحو يلبي رغبات واحتياجات ومتطلبات السياح من مختلف بلدان العالم. وجهود تنمية المنتج السياحي وفقا لخطط متوازنة ومدروسة واستنادا إلى أن السياحة صناعة في المقام الأول، جعلت من السياحة ركيزة أساسية للاقتصاد الماليزي، وساهمت في تشكيل وبلورة المعجزة الماليزية في مجال التنمية بشكل عام.
* ازدياد الطلب على هذا النوع من السياحة
* يهدف الاهتمام المتزايد من قبل وزارة السياحة الماليزية بقطاع السياحة العلاجية لاستقطاب مزيد من الزوار خاصة بعد تزايد أعداد طالبي هذا النوع من السياحة في السوق المصدرة للسياح من منطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية والإسلامية بشكل عام.
وماليزيا التي زارها العام الماضي 2012م 25.3 مليون سائح ودرت السياحة عائدات للاقتصاد الماليزي بلغت 60.6 مليار رينغت (نحو 20 مليار دولار) فوق ما حباها به الله من طبيعة خلابة وجزر ساحرة وسواحل فيروزية وغابات مخضرة وشعب ودود، لم تعد مجرد مقصد سياحي لقضاء العطلات والتمتع بمناخها الدافئ المشمس وخدماتها التي توفر كل أسباب الراحة والاستجمام على مدار العام، بل برزت في السنوات القليلة الماضية بوصفها مركزا متطورا للعناية بالصحة وتقديم خدمات الاستشفاء على مختلف المستويات وبكل الأبعاد في قارة آسيا، اعتمادا على ما تملكه من بنيات أساسية وحديثة للنهوض بقطاع السياحة العلاجية، شمل إيجاد أحدث التقنيات الطبية والعلاجية للأفراد والمجموعات من شتى أنحاء العالم، فتوفر مراكز ومستشفيات العلاج المتطورة إلى جانب مؤسسات الطب الشرقي التقليدي بجذوره الضاربة في القدم، ومنتجعات الراحة والاستجمام على سواحل الجزر الاستوائية بطبيعتها البكر، كل ذلك جعل من ماليزيا مكانا مثاليا لطلب الاستشفاء وفضاء ملائما لقضاء فترات النقاهة التي تعقب العلاج، كذلك تشكل العناية الصحية والطبية الفائقة جنبا إلى جنب مع المقاصد السياحية المتعددة والمتنوعة، بيئة نموذجية للاستشفاء والتداوي وفى الوقت ذاته الاستمتاع بعطلة لا تنسى.
* نوعية الخدمة
* مدير التسويق بوزارة السياحة الماليزية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شمشول حسن اليافعي أوضح لـ«الشرق الأوسط» أن العوامل الأساسية التي تستقطب طالبي العلاج والاستشفاء إلى ماليزيا هي نوعية الخدمات الصحية والطبية المتوفرة في مختلف المراكز والمستشفيات بالإضافة إلى انخفاض تكلفة هذه الخدمات مقارنة بدول أخرى، مؤكدا أن تكاليف العلاج والرعاية الصحية في ماليزيا تعتبر الأجود والأرخص في منطقة جنوب شرقي آسيا.
* مرافق علاجية
* وتنتشر في معظم الولايات الماليزية مراكز طبية خاصة مزودة بأفضل التقنيات التي توفر التشخيص الدقيق والتسهيلات العلاجية للمرضى، وهذه المرافق فوق كونها مجهزة بشكل جيد، فإنه يعمل بها أطباء مهنيون ومدربون وعلى قدر عال من الاحترافية التي تكفل السلامة والعناية المثلى بالمرضى وجودة الخدمات الصحية، خاصة إذا علمنا أيضا أن الطواقم الطبية العاملة في هذه المراكز والمرافق الصحية مؤهلة تأهيلا نوعيا في جامعات المملكة المتحدة وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، فضلا عن الخدمات الطبية المواكبة لأحدث المنجزات العلمية. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن هذه الخدمات تقدم في أجواء مريحة وعلاقات حميمة وودودة تخفف كثيرا من معاناة المرضى وتساعد في علاجهم واستعادتهم عافيتهم، علما بأن كل المؤسسات والمرافق الصحية العامة والخاصة مرخصة من وزارة الصحة الماليزية وحاصلة على اعتماد مرموق عالميا هو شهادة الجودة «9002iso» والاعتماد الماليزي لجودة المقاييس الطبية المؤسس على مقاييس العناية الطبية في أستراليا.. كل هذه الأسباب مجتمعة، تجعل طالبي الاستشفاء يضعون ثقتهم في مراكز ومستشفيات ماليزيا بشكل متزايد ومضطرد.
وتوفر المراكز والمستشفيات الماليزية مجتمعة خدمات طبية شاملة تشمل الطب الباطني والجراحة العامة والتجميل وجراحة القلب وطب الأطفال والأسنان والنساء والتوليد، بالإضافة لعلاج التخاطب والطب الإشعاعي وما إلى ذلك من التخصصات الطبية.
ولا تقتصر الخدمات التي تقدمها المراكز والمرافق الصحية على الرعاية الطبية، لكنها تمتد لتشمل توفير حجز الشقق والغرف الفردية والأطباء من جنسية المريض نفسه، كما أن هناك طبيبات للنساء وأطباء للرجال للراغبين كجزء من مراعاة الخصوصيات العقائدية والثقافية للمرضى، بجانب الأطعمة الحلال المعدة وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
والاهم أيضا في هذا الصدد ما يتوافر لدى بعض المراكز والمستشفيات من وحدات للعلاج التكميلي والتقليدي القائم على الاستطباب بالأعشاب والوخز بالإبر الصينية والتدليك (المساج) وغيره من أسس الطب الصيني والمالاوي القديم.
ومع اختلاف رسوم إقامة المرضى في المراكز والمستشفيات التي تشمل التغذية من مستشفى إلى آخر، فإنها تظل في عمومها في الحدود المناسبة مقارنة برسوم العلاج في البلدان الأخرى، كما أن كل المراكز والمستشفيات مزودة بمطاعم تقدم الوجبات الخفيفة والمشروبات بجانب محلات لبيع الزهور والتحف والهدايا ومواقف خاصة بالسيارات.
* كشف صحي
* عندما يتعلق الأمر بصحة الإنسان، تبقى «الوقاية خيرا من العلاج» كما هو دارج، بالتالي، بإمكان الأصحاء من الزوار وليس المرضى فقط إجراء فحص طبي شامل يمكنهم من الحصول على تقارير مفيدة بشأن وضعهم الصحي والمساعدة بذلك في الكشف المبكر عن عدد من الأمراض مما يعزز فرص العلاج والاستشفاء، كما أنه بوسع الزوار الاطمئنان على صحتهم خلال زيارة إلى أحد المراكز الطبية التي تستخدم أحدث التجهيزات والتقنيات في التشخيص والعلاج من مختبرات طبية حائزة على شهادة الجودة العالمية.
وتقوم وزارة السياحة الماليزية بالتنسيق والتعاون مع وزارة الصحة، بابتكار مجموعة من البرامج الترويحية للمرضى ومرافقيهم بأسعار معقولة تسهم هذه البرامج في شفاء المرضى وتروح عنهم وتتيح لمرافقيهم أيضا فرصة قضاء أوقات ممتعة في ماليزيا، كما تقوم وكالات السفر بمساعدة المرضى في اختيار المراكز والمستشفيات الملائمة لحاجتهم بالإضافة إلى توفير الحجوزات الفندقية وتنظيم جولات سياحية وتعريفية على أهم المعالم السياحية ومراكز التسوق ومناطق الاسترخاء والاستجمام وزيارة الأسواق الشعبية للتعرف على نمط الحياة التقليدية.
يذكر أن ولاية سيلانجور تضم مرافق طبية وصحية ممتازة ومواقع سياحية وترويحية جاذبة؛ أشهرها جامع السلطان صلاح الدين عبد العزيز شاه، المعروف شعبيا بـ«الجامع الأزرق»، وتعتبر منارته الأعلى عالميا، كما تعتبر جزيرة بينانج مقصدا لأعداد كبيرة من زوار ماليزيا، فهي تضم مجموعة واسعة من المرافق الصحية، بالإضافة إلى المنتجعات التي توفر فرص الاسترخاء ودفء الضيافة، وهناك أيضا ولاية جوهور التي، إضافة إلى مرافقها الصحية والسياحية، تضم 30 ملعبا للغولف.
* علاج ونقاهة
* وينصح الراغبون في الحصول على الاستجمام والاسترخاء وقضاء فترات النقاهة بزيارة عدد من المنتجعات المنتشرة في الجزر، حيث دف أشعة الشمس المتسللة عبر أشجار النخيل، الذي ينعش الأحاسيس ويوفر أجواء نادرة من الهدوء والسكينة، بالإضافة إلى منتجعات جزيرة لانكاوي وولاية صباح بجزرها الخمس التي تعتبر أفضل مكان لممارسة سياحة الغوص والتمتع بمناظر الشعب المرجانية والأسماك الملونة والحياة تحت الأعماق بكل سحرها وغموضها.
وليس هذا كل شيء؛ فماليزيا، بثقافاتها المتعددة ومواردها الطبيعية الوفيرة، تعد مكانا حيويا لخدمات العلاج التي تعد من بين الأقدم في العالم، فتعدد الأساليب العلاجية من مالاوية وهندية وصينية، يجعلها المكان الأمثل لتجديد الشباب واستعادة الحيوية بالغوص في بحيرات المياه المعدنية والتمتع بتدليك الجسم كاملا أو الاكتفاء بتدليك القدم (المساج) بالإضافة إلى حمام الأعشاب (خليط من الأعشاب والنباتات الفطرية المحتوية على مجموعة من المعادن والفيتامينات) ومساج الوجه باستخدام المراهم الحيوية المستخرجة من النباتات الطبية لاستعادة نضارة بشرة الوجه والجسم.
وبإمكان الزوار، خاصة السيدات، تدليل أنفسهن بالحصول على حمام تقليدي للشعر يستخدم فيه حليب جوز الهند وعصارة عدد من النباتات والأعشاب التقليدية، وهو حمام يعالج كثيرا من مشكلات الشعر.
وبوسع زائر ماليزيا مستشفيا كان أم متنزها، الترويح عن نفسه والتخلص من ضغوط والحياة وأعبائها بخوض تجربة ما يعرف بـ«حمام جامو»، حيث يتم خلط النباتات الطبية والأعشاب المختلفة، مثل الكركم، مع عناصر كالعسل أو سكر النخيل. وميزة هذا الحمام أنه يخلص الجسم من السموم، ويبعث على الحيوية والنشاط؛ فعناصر «حمام جامو» بخواصها المنشطة والمقوية يتم استخدامها بوصفها مكونات طازجة وطبيعية ودون إضافات كيماوية.
* علاجات تقليدية
* في سياق الحديث عن السياحة العلاجية، لا يمكن إغفال الإشارة إلى أسلوب علاج تقليدي يعرف بـ«طريقة الايروفيدا»، وهو أقدم نظام طبي عرفته البشرية، ونشأ في الهند قبل خمسة آلاف سنة، ووجد هذا الأسلوب في العلاج طريقه إلى منتجعات المياه المعدنية في دول آسيا، كما تنتشر طريقة «التدليك بالايروفيدا» في معظم الفنادق والمنتجعات، وأسلوب علاج «اكويريشر» هو تدليك الجسم باستخدام الإبهام وراحة اليد في منتجعات العلاج بالمياه المعدنية التي تقدم أيضا تدليك القدم ومساج «شياتسو» الياباني.
وتعتمد بعض منتجعات المياه المعدنية على طريقة العلاج المالاوي التقليدية المعروفة بـ«كامبونج» وتقوم على تدليك الجسم بزيوت طازجة خاصة تخلص الجسم من مظاهر الإعياء والتعب والإرهاق والتوتر، يعقبها حمام دافئ بخلاصة الأعشاب والأزهار وأنتم تحتسون كوبا من شاي الزنجبيل المنعش.
وتنتشر على نحو واسع في مراكز التسوق، محلات التدليك (المساج) المنعش للجسم، ولهذا النوع من التدليك فوائد صحية عديدة تشمل تخفيف التوتر وتصلب الرقبة، وتنشيط الدورة الدموية، وتوازن الهرمونات، كما يوفر الاستحمام في البرك والينابيع الساخنة المنتشرة في المرتفعات والغابات وفى ولاية صباح وغيرها، فرصة أخرى لاستعادة الحيوية والنشاط والشعور بتجدد الشباب.
وتأسيسا على كل ما ذكر، فإن السياحة العلاجية في ماليزيا اليوم أكثر من مجرد رعاية صحية وخدمات علاجية، فإنها تتجاوز كل ذلك لتجعل من طلب الاستشفاء فرصة للمتعة والراحة والترويح عن النفس.