أعلى

 

ما بين طائرتين مستأجرتين في العام 1985 وأسطول يتألف من 230 طائرة اليوم هناك 29 سنة من التحليق في الأجواء والتحديات أيضاً وهي الفترة التي كتبت بها طيران الإمارات قصة نجاح فعلية حولتها اليوم إلى واحدة من أكبر شركات الطيران في العالم تخدم أكثر من 146 وجهة في قارات العالم الست. النجاح استمر في طيران الإمارات طوال 26 عاماً أي منذ تحقيقها للأرباح في عامها الثاني وحتى العام الماضي عندما بلغت أرباحها الصافية 4.1 مليارات درهم دفعت منها لحكومة دبي مليار درهم كحصة للمالكين. لكن القيمة الاقتصادية للشركة يتمثل اليوم في مساهمتها بأكثر من 50 مليار درهم في اقتصاد الدولة باعتبارها قوة جذب كبرى للعمل تشغل أكثر من 70 ألف موظف من 160 جنسية حول العالم مع علامة تجارية قيمتها اليوم 5 مليارات دولار وهي واحدة من بين الأكبر في العالم في مجال الطيران. للناقلة اليوم طلبيات مؤكدة لشراء 380 طائرة بقيمة 164 مليار دولار وهذه الارقام هي الترجمة الفعلية للتخطيط الاستراتيجي المحكم المدعوم باستثمارات نوعية مدروسة حولت الناقلة إلى مجموعة طيران ضخمة تضم اليوم كيانات بارزة منها دناتا التي تتواجد في أكثر من 70 مطاراً حول العالم. وخلال السنوات العشر الماضية كانت طيران الإمارات عنواناً لأكبر الصفقات في تاريخ الطيران المدني بدءاً من صفقة الـ 50 طائرة للإيرباص 380 في العام 2003 مروراً بصفقات متعددة وانتهاء بصفقة معرض دبي للطيران في العام الماضي عندما طلبت 150 طائرة من بوينغ الجديدة 777 إكس، إضافة إلى 50 طائرة من ايرباص طراز 380 وهي الصفقة التي زادت عن 100 مليار دولار.

 

مرحلة جديدة

يؤكد تيم كلارك رئيس الشركة، أن طيران الإمارات ومنذ سنوات تنجز استراتيتجية واضحة المعالم تتمثل في استكمال عمليات ربط وجهاتها ومحطاتها عبر مركزها التشغيلي في دبي وهذا يعني ربط أسواق آسيا ومصانعها بأسواق الاستهلاك والنمو في إفريقيا وبالعكس، حيث تمتلك الناقلة شبكة وجهات تلائم تماماً هذه الاستراتيجية فهي مثلاً تطير إلى 22 وجهة في القارة الافريقية. إضافة إلى أهم مدن وعواصم القارة الآسيوية ما يتيح لها وضعاً مثالياً لتكون حلقة الوصل ليس فقط بين القارتين ولكن ايضاً ربطهما بأوروبا وأميركا الشمالية التي تمتلك فيها الناقلة حقوقاً واسعة وتخدم اليوم 9 وجهات في الولايات المتحدة إضافة إلى وجهة في كندا. وما يعزز النجاح لطيران الإمارات ليس العوامل السابقة فحسب بل أيضاً الاستثمار المتواصل سواء في الخدمات والمنتجات والابتكار والأهم الاستثمار في رأس المال البشري الذي يضم اليوم 70 ألف موظف توفر لهم الشركة مختلف الامتيازات التي جعلت أكثر من 20% من موظفي المجموعة يعملون منذ أكثر من منذ 10 سنوات و5% منهم منذ أكثر من 20 عاماً. وتوضح هذه الحقائق نوعية وجودة والتزام الشركة في توظيف أفضل المهارات ومواصلة تدريبهم، ويكفي أن نعلم أن تكلفة تأهيل وتدريب الطيار المواطن لمدة عامين يصل إلى مليون درهم.

 

علامة تجارية

وكعامل إضافي يدفع باتجاه تعزيز العلامة التجارية للناقلة فإنها تنفق سنوياً نحو 2% من عائداتها على الترويج وعروض الرعاية لكبرى المؤسسات والأحداث الرياضية وكان أحدثها توقيعها لعقد رعاية مع فريق ريال مدريد الإسباني لتكمل بذلك رعاية شبكة واسعة من الأندية الكبيرة في القارة الأوروبية منها ميلان الإيطالي وباريس سان جيرمان الفرنسي وهامبورغ الألماني وآرسنال الإنجليزي، إضافة إلى الفرق الرياضية الأخرى في مجالات التنس والرجبي وغيرها.

 

الانطلاقة

ترتبط قصة انطلاق طيران الإمارات ونجاحاتها المستمرة منذ 29 عاماً بقصة صعود دبي ورؤية قياداتها التي أرادت لهذه المدينة أن تكون مركزاً تجارياً وسياحياً عالمياً بطموحات عالية حدودها المستقبل بكل ما فيه من فرص. هذه كانت رؤية محمد بن راشد التي ورثها عن أبيه المغفور له بإذن الله الشيخ راشد بن سعيد، وكلاهما لم تساوره الشكوك في أن تحويل دبي إلى عاصمة عالمية للأعمال لا يمكن أن يتم دون وجود حركة طيران نشطة وفاعلة، تسندها بنية تحتية متطورة من مراكز تسوق كبيرة وفنادق حديثة تجذب السائح سواء سياحة الأعمال أو الرفاهية، وبطبيعة الحال لا بد من مطار عالمي يدعم هذه الطموحات، ويكون محركاً لهذه النهضة. أما المطار فقد سبق شركة الطيران، وتم افتتاحه في 30 سبتمبر من عام 1960، وخلال فترة قصيرة نشطت حركة الطيران من وإلى المدينة الفتية، مع تسارع شركات الطيران العالمية للقدوم إلى دبي التي تبنت منذ اليوم الأول سياسة الأجواء المفتوحة التي آتت أكلها، وتوالى نمو أعداد شركات الطيران لتصل إلى 42 شركة في عام 1984، بمعدل زاد عن 150 طائرة أسبوعياً تقلع من دبي، وأعداد مسافرين تصل إلى 500 ألف مسافر.

 

طموح

وبعد هذه الخطوة، كان لا بد لطموح دبي أن ينقلها إلى مرحلة جديدة، وهي امتلاك شركة طيران تلبي احتياجات النمو المتسارعة في الإمارة، وتنشر أجنحتها في العالم، بعد مخاطبة وتردد طيران الخليج في زيادة الرحلات لدبي التي كانت أكبر مركز مربح لعمليات طيران الخليج. وتحركت القيادة في دبي، وقررت تأسيس الشركة، وطلب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من موريس فلانجان الذي كان رئيساً لدناتا في ذلك الوقت المباشرة بوضع الخطط لتأسيس شركة طيران حلقت فعلياً في عام 1985، بعد جهود كبيرة بُذلت على جميع المستويات، وانطلقت الشركة باسم طيران الإمارات، وكان على رأسها سمو الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، وكان طلب صاحب السمو من فلانجان تكاليف انطلاق الشركة، فأجاب بـ10 ملايين دولار. وكان الخيار المتوافر والأكثر جدوى في ذلك الوقت هو التأجير، وانصب الاختيار على تأجير طائرتين، والتركيز انصب على طائرات مثل بوينغ 737 بـ150 مقعداً، وطيران 4 ساعات، أي أنها ملائمة للوجهات الخليجية. ومع تعذر التأجير من الخطوط الأوروبية كان لفلانجان علاقات جيدة مع الخطوط الباكستانية، وبالذات مع مدير عملياتها في دبي، وكل هذه الحركات كانت تتم في غاية السرية، ويعلم بها عدد محدود من الأشخاص فقط. التقى سمو الشيخ محمد مع وقار عظيم، المدير العام للشركة الباكستانية، مع العلاقة الدافئة التي كانت تربط كلا البلدين. وعاد الرجل إلى باكستان، واجتمع مع رئيس الدولة آنذاك، وهو الجنرال ضياء الحق الذي أكد دعمه التام لخطوة دبي.

 

وتم بسرعة تعيين إحدى شركات التصميم العالمية بعقد بلغ 100 ألف دولار، لإنجاز أعمال التصميم الخاصة بالناقلة الجديدة، ومنها شعار الشركة، وكيفية وضعه على الطائرات، والألوان الخاصة بالشعار وغيرها. وللحصول على موافقة رئيس الدولة الشيخ زايد، رحمه الله، سافر الشيخ محمد للاجتماع مع الشيخ زايد. واستطاع سموه إقناع المغفور له الشيخ زايد بالخطوة الجديدة، وأن تصبح الناقلة ناقلة دولية للإمارات، وهو قرار مهد لإطلاق طيران الإمارات. وبعد ذلك، بدأت أجواء الارتياح على فلانجان وفريقه بهذا التقدم، وتم الاتفاق بين دبي والخطوط الجوية الباكستانية على استئجار طائرتين من طراز بوينغ 800-737 وإيرباص 300 بي 4، وهما ملائمان للأسواق القريبة ومنطقة الخليج، ولم يتبق سوى انطلاق الشركة وتحليقها في الأجواء، إذ تسارعت الاستعدادات بما فيها عمليات التصميم لشعار الناقلة والتصميمات الداخلية التي قدمت للشيخ محمد ووافق عليها. وبدأت ساعة الحقيقة تدور استعداداً لانطلاق الرحلة الأولى للناقلة.

 

إيه كي 006 - كراتشي

ربما يكون 25 أكتوبر 1985 عنواناً للعديد من الأحداث التي وقعت في ذلك الحين السياسية والاقتصادية، ولكنها بالنسبة إلى دبي كانت التاريخ الذي سجلت فيه طيران الإمارات أولى رحلاتها، بعد جولات من التدقيق والتعديلات الأخيرة للتأكد من أن جميع الأمور تسير وفق الخطة الموضوعة من قبل فلانجان وفريقه، والتدقيق هنا لم يستثن شيئاً حتى ملابس طاقم الطائرة الذي تأخر في الوصول، بما فيها قبعة الكابتن فاضل غاني الذي سيقود أول رحلة للناقلة. كما أن رغبة الشيخ أحمد في تغييرات أخيرة على ملابس الطاقم تم التغلب عليها، وعادت الأمور تحت السيطرة، بعد أن جال فريق عمل مختلف المتاجر في دبي، وهكذا كان الوضع يبدو إيجابياً بالنسبة إلى الناقلة الوليدة. وتم تجهيز كلتا الطائرتين وفق أعلى المعايير. وسبق ذلك حملة كثيفة للترويج للرحلة وللوجهة الجديدة لجذب المسافرين. وكان من ضمن المدعوين رجال الصحافة والإعلام، وعدد من كبار الشخصيات في الرحلة المتجهة إلى كراتشي التي كانت أولى وجهات طيران الإمارات في 25 أكتوبر من عام 1985، مدشنة عهداً جديداً في تاريخ صناعة السفر الجوي.  ومع النجاح في بيع حصة كبيرة من تذاكر الرحلة الأولى انطلقت في الساعة الحادية عشرة و45 دقيقة في 25 أكتوبر من عام 1985، الرحلة إيه كي 006 من مطار دبي الدولي، متوجهة إلى كراتشي في باكستان مدشنة عهد النجاح والانجازات. كانت طيران الإمارات اعتمدت منذ البداية خطة توسع كبيرة لشبكتها، وهي خطة عمل للسنوات الخمس المقبلة، تشمل افتتاح وجهات جديدة في أوروبا والشرق الأقصى، برغم أنها بذلك الوقت لم تكن تملك سوى طائرتين مستأجرتين . وكان التركيز في البداية على محور دبي الهند الباكستان.