أعلى

 

قد لا يعلم الكثيرون من زوار العاصمة البريطانية سواء من الأجانب او المواطنين ان هذه المدينة التي تعد واحدة من اكثر الوجهات السياحية استقطاباً للسياح في العالم ما تزال تعتمد بشكل يومي على تكنولوجيا يعود تاريخها الى بداية القرن التاسع عشر وتحديداً الى عهد الملك جورج الثالث. عندما تغيب الشمس عن سماء لندن ويتهيأ الظلام ليلقي بظلاله على شوارعها وأزقتها العتيقة تعطي ساعات خاصة إشارة ايقاد 1500 مصباح تعمل بالغاز لتزيح الظلمة عن الطرقات التي تحتضن بين جنباتها عقوداً طويلة من التاريخ المعماري والتطور العمراني دون ان تفقد تلك المباني سحرها وجاذبيتها في عالم القرن الحادي والعشرين. ومع ان تلك المصابيح الخاصة لا تكاد تختلف من حيث الشكل الخارجي ونورها المتوهج فإن تشغيلها يتطلب اكثر من مجرد الضغط على زر لانارة المصابيح الكهربائية العادية التي يصل عددها في منطقة «ويستمنستر» وحدها الى نحو 14 الف مصباح. وتتكفل شركة «بريتيش غاز» بتوظيف 5 مهندسين يقومون بضبط ساعات بداخل كل عمود لتقوم بإنارة وإطفاء المصابيح الغازية في أوقات محددة لمدة اسبوعين قبل ان تتم اعادة العملية مرة اخرى وتصليحها اذا تعطلت فضلاً عن تنظيف غطائها الزجاجي. ولمن يرغب في استكشاف هذه المصابيح فما عليه سوى زيارة شارع «كينزينغتون بالاس غاردنز» حيث مباني عدد من السفارات الأجنبية وقصر «كينزينغتون» مقر اقامة دوق كيمبريدج الامير وليام والانتظار قبل وقت المغرب ليرى لهيب المصباح ينبعث بسرعة خاطفة ليضفي نوراً لامعاً دون ان يصحبه دخان.

 

ومن أسعفه الحظ وهو قرب مبنى البرلمان فيمكنه ان يصادف احد المهندسين متسلقاً سلمه المعدني ليضبط الساعات ويتأكد من عمل المصابيح عندما يحين وقت إنارتها قبيل مغرب كل يوم. ولكن قصر «باكينغهام» و«هايد بارك» لديهما موظفون تابعون لإقامة الملكة للقيام بإيقاد المصابيح وصيانتها وضبط ساعاتها مثلما يفعل المهندسون الخمسة المكلفون بصيانة 1300 مصباح من جسر ريتشموند غرباً الى منطقة بروملي باي بو شرقاً. وتشير المصادر التاريخية الى ان اول جيل من المصابيح الغازية انيرت لاول مرة العام 1807 في شارع بال مال وسط لندن عن طريق مهندس الماني يدعى فريديريك وينسور حيث قام الاخير بتصميم أعمدة انارة مرتبطة ببعضها عن طريق أنبوب غاز وقام بإشعالها دفعة واحدة احتفالاً بعيد ميلاد الملك جورج الثالث. ومع ان المصابيح غيرت طبيعة الحياة في لندن وجعلتها اكثر امناً في الليل غير انها تسببت من جهة اخرى في نشر الرعب لدى السكان بفعل الانفجارات التي أضحت في ذلك الوقت حوادث مألوفة لكون انابيب الغاز كانت مصنوعة من الخشب. وكان على سكان المدينة التي كانت غارقة في الضباب في ذلك الوقت انتظار جيل جديد من الأنابيب وأعمدة الانارة لتصبح اكثر امناً وانتشاراً في كبرى الشوارع خصوصاً في عهد الملكة فيكتوريا قبل ان تبدأ الأعمدة الكهربائية في اوئل القرن العشرين بإزاحتها تدريجياً ليبقى اقدم جيل من مصابيح الغاز كلها بداخل دير ويستمنستر.