فيينا مدينة حاضرها يسير في الماضي
منذ عقود تحتل العاصمة النمساوية فيينا صدارة وجهات السياحة العالمية، لأن شوارع هذه المدينة ليست مرصوفة بالحجارة بل بالتاريخ، وجزء كبير من سحر المدينة يكمن في الطريقة التي تحول فيها التاريخ إلى «أيام إمبراطورية قديمة جيدة». ولهذا السبب، فإن هذه المدينة الشابة الحيوية الواقعة في قلب أوروبا، التي استقبلت عصر التكنولوجيا الفائقة بملء ذراعيها، تحتضن في نفس الوقت ماضيها بحرارة. وهذا ما يجعل من فيينا احتفالية خيالية، وخاصة بالنسبة للعشاق الرومانسيين. وعبر شوارع متعرجة وباحات مقنطرة يسير الماضي والحاضر جنباً إلى جنب، حيث تنعكس الواجهة البديعة لكاتدرائية سانت ستيفان على متاجر شارع «زينغر شتراسه» ثم شارعي «بلوت غاسه» و«دوم غاسه» ، وتمثل هذه الشوارع الصغيرة قلب المدينة الرومانسية. فهي ضيقة ومظلمة ومرصوفة بالحجارة، تماماً كما كانت عليه قبل قرون مضت. وبطريقة ما لن تتفاجأ بمشاهدة الموسيقار الشهير «موزارت» وهو على طريق عودته للمنزل ينعطف إلى «موزارت هاوس» الذي يضم شقة موزارت الأصلية الوحيدة المحفوظة في فيينا، بينما يصفر لحناً من واحدة من عروضه الأوبرالية التي قام بتأليفها هناك.
مدينة خضراء
قمة جمال فيينا في فصل الربيع، ولكن فقط عندما تشيح نظرك عن الصيف والخريف والشتاء. فهناك شيء واحد مؤكد: وهو أن فيينا مدينة لكل الفصول. وهذا الأمر يتعلق بحقيقة أن الطبيعة تغطي أجزاء كثيرة من المدينة. كما تعتبر حدائق فيينا المشذبة بعناية أماكن جديرة بالزيارة أيضاً، ويقع الكثير من منها في بوليفارد «رينغ شتراسه» وتشتمل الخيارات هنا على متنزه «راتهاوس بارك»، متنزه المدينة «شتادت بارك» وحديقة «فولكس غارتن»، التي تعتبر موطناً لأكثر من 400 نوع من الورود. وفي الوقت نفسه، تتميز الحدائق الباروكية الرسمية في قصر «شونبرون» وقصر «بلفيدير» بنمط متفرد خاص بها، مع جادات طويلة وسياجات مصممة بشكل جميل، أحواض زهور فاتنة، نوافير مزينة، وتماثيل بديعة مشكّلة خلفية لا تُنسى.
طقوس ملكية
يمكن للتسوق في فيينا أن يأخذ شكلاً تقليدياً للغاية. فعلى الرغم من أن وجود النظام الملكي النمساوي الهنغاري انتهى في عام 1918، إلا أن المعايير ذات الجودة العالية التي تم وضعها من قبل الموردين السابقين للبلاط الإمبراطوري تواصل مكانتها في العصر الحديث. وقد كان مزودو البلاط الإمبراطوري والملكي ينتمون إلى شتى المجالات التجارية – حيث كان البلاط الإمبراطوري يطلب مجموعة واسعة من المنتجات والخدمات. فزيارة أي منها يمثل جولة في عصر مضى (مثل : إيه. إي. كوشيرت الذي كان ينتج في السابق مجوهرات للإمبراطورة إليزابيث بناءً على الطلب – أو الحلواني السابق للبلاط الإمبراطوري، «ديميل» الذي يُذكّر بفيينا في الأيام الخوالي من خلال ما يقدمه من أصناف رفيعة من الحلويات. ولكن براعة الحرف اليدوية الفيينيّة في إعداد منتجات بناءً على الطلب لقائمة من المشاهير ما هي إلا جانب واحد من القصة – إذ إن كل العلامات التجارية الفاخرة والأكثر شهرة في العالم لديها متاجر في العاصمة النمساوية. فهناك طيف جذاب من التسوق الفاخر الدولي في فيينا يزداد طوال الوقت: فردوس جديد للمتسوقين، «الحي الذهبي»، يستوطن في مجمع من المباني التاريخية التي تربط بين «توخلاوبن» وساحة «آم هوف» وهو يقع على مرمى البصر من شارعي «كولماركت» و«غرابن»، حيث ستجد متاجر حصرية رائدة مثل «لويس فويتون»، «إمبريو أرماني»، «برادا»، «ميو ميو»، إيف سان لوران وغيرها من العلامات التجارية الشهيرة.
عربات الخيول
مشهد العربات التي تجرها الخيول في شوارع فيينا، وتعرف باسم «الفييكا» ويعود تاريخها لعام 1693، يعد واحداً من أروع المشاهد التي تبقى في ذاكرة السياح، لكنه مشهد يثير القلق في عاصمة الدانوب قلب أوروبا الساحر. تم ترخيص أول «فييكا» كعربة نقل عام 1900. ومع حلول سيارات الأجرة تحولت الفييكا إلى وسيلة سياحية تنقل زوار المدينة في جولة حول أشهر معالمها ويبلغ عددها اليوم 170 عربة، التي تصل تكلفة مشوارها لمدة 45 دقيقة إلى 90 يورو يستمتع خلالها السائح برؤية مبنى أوبرا فيينا والبرلمان وقصر الهوفبورغ وغيرها من آثار تاريخية وبقصص مشوقة يحكيها السائق عن كل معلم. الفييكا لم تعد مركبة قاسية المقاعد بل تطورت وأصبحت أكثر نعومة ورفاهية مع تطور الزمان. واليوم لا يتم التصديق بتصريح لقيادتها إلا بعد اجتياز امتحان خاص، وبعد الالتزام بقواعد صارمة في مقدمتها الالتزام بزي معين كأزياء القصور الإمبراطورية، عبارة عن بدلة سوداء وقميص أبيض إضافة إلى قبعة حتى لمن يقدنها من النساء وهن قلة. أضف إلى ذلك ضرورة أن تحشى مقاعدها بفراش وثير، تضاف إليها ألحفة وأغطية خفيفة تستخدم في حال احتاجها الركاب بسبب برودة الطقس، لكنها أكثر انتشارا أثناء فصلي الربيع والصيف عندما يكون الطقس مشمساً. وللفييكا مواقف معروفة منها على سبيل المثال موقع سينت بيترز، بالقرب من كنيسة القديس استيفان، وموقع ثان بميدان هيلدن أمام قصر الهوفبورغ، وثالث أمام مسرح البورغ تياتر مواجها لمبنى البلدية، الرات هاوس، ورابع بالقرب من متحف الالبرتينا بالقرب من مبنى الأوبرا.