جميرا بيتش- باكو 96 ساعة من الإبهار
قبل السفر بيوم سيطر على مخيلتي مشهدٌ من فيلم "الأرض"، إحدى روائع المخرج العبقري يوسف شاهين، عندما سُجِنَ دياب "الفنان علي الشريف" مع محمد أبو سويلم "الفنان محمود المليجي" وعبد الهادي "عزت العلايلي" وبعض من الفلاحين، وعندما أفرج عنهم كان في استقبالهم أهل القرية بالزغاريد والأحضان، أما دياب فظلَّ يركضُ بكلّ ما أوتي من قوة حتى وصل إلى أرضه فارتمى فيها كمن يرتمي في أحضان محبوبته التي غاب عنها قسراً مستنشقاً عبقها، غاسلاً وجهه برحيق ترابها. وقتها لا أعرف لماذا سيطر عليّ صورة دياب مع معشوقته "الأرض". تلك هي حالتي عندما غادرت دبي تلك المدينة التي قضيت فيها زهرة عمري، إلى باكو عاصمة أذربيجان، لكن ما أن وطأت قدماي أرض هذه المدينة حتى أخذ هذا الشعور يخبو شيئاً فشياً أمام سحر تلك المدينة التي قضينا فيها 96 ساعة في ضيافة الفخامة بفندق جميرا بتش- باكو.
مدينة الأنوار والأشجار
لعل أول ما يلفت انتباهك في هذه المدينة هو هذه الأعداد الكبيرة من الأشجار التي تفوق ساكنيها. شجرٌ فأنوارٌ، ثم شجرٌ فأنوارٌ؛ فعندما تشاهد "باكو" إذا صادف نزولك نهاراً فستجد شوارعها واسعة ومبانيها فخمة وحدائقها غنّاء، أما إذا صادف نزولك ليلاً فأنوارها هي علامتها التجارية المسجلة باسمها، حيث تتشابك الإضاءات في تناغم هندسي يضفي جمالاً وفسحة بصرية للعين؛ فهذا البيت يتلألأ بأشكال مربعة، وما أن تنتهي منه حتى يأخذك قصرٌ بأنواره التي تأتي هذه المرة في أشكالٍ مستطيلةٍ مع منحنيات تخبو رويداً رويداً. وعلى طول الطريق يداهمك شعور بأنها مدينة الأنوار بامتياز. هذا التناغم الذي شاهدناه منذ وصولنا في مطار باكو الدولي متوجهين إلى فندق جميرا بيتش– باكو لم ينقطع منذ الليلة الأولى وحتى اللحظات الأخيرة قبل الرحيل؛ فحمى الأنوار والإضاءات قد امتدت إلى مدخل الفندق حيث تجد ما يقارب من 100 مصباح من الحجم الكبير على هيئة كورة ترحب بك مع رذاذ من نافورات المياه المتطاير.
المهارة التركية
وجوه مبتسمة وأيادٍ ممتدة بالسلام والترحيب وأكواب امتلأت بالعصائر الباردة ترحب بك، وتجد فيها أنسها وحسن ضيافتها. بعد جلسة استجمام تجولت في الفندق؛ فإذا بي أمام نجفةٍ كبيرةٍ معلقة خلف الأسانسير "هذه النجفة الأطول في العالم حيث يبلغ طولها 580 متراً وتحوي 22 ألف مصباح، ويبلغ وزنها 12.5 ألف طن وتمتد إلى الطابق الـثامن عشر" يقولها محمد إبراهيم، المرشد السياحي للفندق، بفخرٍ، موضحاً أن اليد الحرفية التركية هي التي أبدعتها، وتبهرك ليلاً أكثر من نهارها، نظراً إلى إضاءاتها التي تسحبك على بساطٍ من التأمل في كيفية صنعها وإخراجها بهذا الشكل المتقن. أمام تلك التحفة الفنية زاد فضولي عن أهم ما يميز الفندق، يقول إبراهيم: "هذا الفندق نزل فيه رئيس جورجيا مرتين وأعضاء من الكونجرس الأمريكي مرات عدة، ويتمتع بإطلالة خلابة على بحر قزوين وقريب جداً من مطار العاصمة حيث يفصلك من المطار إلى هنا 12 كيلو، تقطعها السيارة في 10 دقائق فقط، وتم اختيار المكان بعد ترشيح أماكن كثيرة، والذي يؤكد جمال وصحة المنطقة أن مستشفى القلب التي تتمتع بشهرة عالمية تقع بالقرب منه".
المطاعم
"يوفر الفندق تشكيلة واسعة من عروض الطعام والمشروبات. وبدءاً من المطاعم غير الرسمية ذات الأجواء البهيجة وصولاً إلى المطاعم الأنيقة ذات الطابع المميز"، يقول محمد ويضيف "يقدم الفندق تجارب متميزة لتناول الطعام ترضي كل الأذواق والمناسبات، منها مطعم يفتح أبوابه طوال اليوم ويقدم تجربة تفاعلية متعددة الثقافات لتناول الطعام في أجواء غير رسمية أنيقة تعد مثالية لكافة أفراد العائلة. ومطعم السطح الذي يتميز بأجوائه النابضة بالحياة والطراز العصري والطابع الأنيق ويقدم للضيوف أصنافاً متميزة يتم تحضيرها باستخدام أحدث أساليب الطهي وأرقى طرق التقديم، إضافة إلى مقهى ومطعم بير للمشويات ومقهى وردهة صن ست ومقهى البهو ومطعم المسبح".
موعد مع البرد
تركنا الفندق للاستمتاع بأروقة المدينة وأزقتها ومسارحها، حيث كنا على موعد مع سهرةٍ موسيقيةٍ أذربيجانية قدمتها إحدى الفنانات، ومن خلال تفاعل الجمهور معها شعرت أنها عندهم كعمرو دياب أو إليسا ونانسي عندنا. كلمتُها لم تكن مفهومةً لدينا ولكن تفاعلنا من موسيقاها الشبابية وسط تصفيقٍ حارٍ من قبل الجمهور، ولو لا هذا التفاعل لتجمدنا من البرد، إذا انخفضت درجة الحرارة إلى ما دون 15 درجة، ولم نكن نتوقع أن تكون المدينة بهذه البرودة ليلاً.
إبهار لا ينتهي
تتمتع أذربيجان بطبيعة ساحرة وفيها الكثير من الأماكن السياحية التي تستحق الزيارة، فإلى جانب طبيعتها الخلابة يعد المسلمون هم السكان الأصليون في هذا البلد، ويمثلون أكثر من 90% من إجمالي السكان. شعب ودود، تألفه سريعاً؛ فهو على اطلاع دائم بقضايانا العربية، ويحسب نفسه على الحضارة الإسلامية، نعم قد لا تجد مساجد كثيرة كما في بلداننا العربية، ومن النادر أن تسمع صوت الأذان إلا أنك تجده شعباً محافظاً على عاداته، محباً للحياة بكل ألوانها ومباهجها. راسيم شاب يبلغ من العمر 25 عاماً التقيته أثناء تجوالنا في أحد أسواق المدينة، فرح كثيراً عندما تعرف إلى ملامحنا العربية. سألني: من أين أنت؟ فقلت له من مصر. فقال بلد حليم وثومة. قلت له أتعرفهما؟ قال نعم وأحفظ بعضاً من أغانيهما. قلت له أتحفظ شيئاً من القرآن فقال أجوّد وأحفظ "الناس" و"النبأ" و"المسد". قلت له: ما شاء. وودعته وهو يقول لي: "أهلاً بكم في بلدكم نرحب بكل العرب في بلدنا.. نحن في انتظاركم مرة أخرى".
مذاقات وأثريات
يعتبر المطبخ الأذربيجاني من أغنى وأفضل المطابخ في العالم لتنوع أطباقه القريبة من المذاقات العربية، وتنتشر المطاعم من مختلف المستويات في جميع المناطق، وخصوصاً في المدن الرئيسية والمناطق السياحية، حيث يقدم بعضها أطباقاً شرقية وبعضها أطباقاً غربياً تغازل العين قبل الفم. وقد اتخذت هذه المطاعم من البيوت القديمة والقلاع الأثرية مكاناً ومقصداً للسياح؛ فلا غرابة في أن تتذوق أشهى المأكولات وبجانبك تحفة أثرية من القرن الخامس أو الرابع الهجري. غادرنا المدينة وكلنا على أمل العودة مرة أخرى إليها؛ فباكو أرض الأنوار والأشجار والإبهار.
بالأرقام
يعد الفندق واحة من الفخامة على بحر قزوين تمنحك فرصة التحرر من مشاغلك اليومية والاسترخاء أو حتى العمل أو الاستمتاع بصفاء الذهن. ويضم الفندق: 176 غرفة وجناحاً تتسم جميعها بالفخامة. 14 فيلا خاصة تضم كل منها ثلاثة غرف نوم. 9 مطاعم ومقاهٍ فريدة من نوعها ونادياً للترفيه الليلي. مجموعة متنوعة من المواقع الداخلية والخارجية التي تتضمن 4 قاعات اجتماعات، وقاعة للاحتفالات، وقاعات متعددة الأغراض. مركز أعمال وقاعتين للمديرين التنفيذيين. حديقة مائية ذات منزلقات ومناطق مخصصة للعب الأطفال• قاعة للبولينغ. منتجع تاليس سبا الذي يضم 9 غرف للمعالجات. صالة للألعاب الرياضية كاملة التجهيزات، وغرف ساونا، وحمامات بخار، ومسبح داخلي، وحمام تركي.