أعلى

 

 

هناك ثروات فردية في منطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في الدول الست لمجلس التعاون الخليجي، وهذه الثروات سوف تواصل النمو في السنوات المقبلة. وأفاد تقرير صدر حديثاً عن شركة بوز أند كومباني أنه بسبب الأزمة المالية التي قوّضت الثقة في العديد من العلاقات بين المصارف الخاصة وعملائها، صار جزء كبير من الصناعة المصرفية الخاصة متاحاً للجميع.

 

يقول بيتر فايانوس الشريك في بوز أند كومباني، "نقدّر الثروات النقدية الإجمالية في المنطقة بما يراوح بين 1 تريليون و1.2 تريليون دولار أمريكي ، مع كون معظم هذه الثروات في أيدي الأسر المحلية. ومن حيث حجم الأسواق، تشكل المملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة أكبر أسواق الثروة مع ما بين 500 مليار إلى 550 مليار دولار أمريكي وما بين 260 مليارا إلى 280 مليار دولار أمريكي على التوالي". ولكي تنجح المصارف الخاصة في تكييّف عروضها الخاصة بإدارة الثروات بشكل مناسب، يجب أن تفهم كيف غيّرت الأزمة المالية سلوك المستثمرين، على الأقل تغييرا موقتا ولكن ربما بشكل دائم، وفق ما خلص إليه التقرير".

 

أمضت المصارف الخاصة سنتين في التعامل مع واحدة من أصعب الفترات في التاريخ المالي الحديث. ويقول الدكتور دانيال ديمرز المدير في بوز أند كومباني، "أدت "عاصفة عالمية عاتية" ناتجة من تراجع اسعار الأصول وشبه الانهيار أو الانهيار الفعلي لبعض المؤسسات المالية والمؤسسات السيادية، إلى تغيير مشهد الصناعة المصرفية الخاصة، وسلوك العملاء الأثرياء في دول مجلس التعاون الخليجي. وبسبب الأزمة المالية التي ضربت بقسوة سمعة بعض أشهر مقدمي خدمات إدارة الثروات في المنطقة وأكثرهم رسوخا، فإن الجزء الأكبر من قطاع الاستشارات الخاصة بالثروات صار متاحا الحصول عليه". والواقع أن عدد الأفراد ذوي القدرات الاستثمارية العالية نقلوا أصولهم من من هذه المؤسسات العالمية إلى مصارف محلية في انتظار انحسار الأزمة. وهم مستعدون الآن لأعادة توزيع رؤوس أموالهم ويدرسون خياراتهم في هذا الصدد.

 

غير أن الأفراد ذوي القدرات الاستثمارية العالية في الشرق الأوسط يملكون خصائص محددة للغاية. فمعظم المواطنين الأثرياء هم من أصحاب الأعمال أو أصحاب المشاريع، وكثيرا ما يملكون شركات متعددة وحاجات تتراوح بين تمويل الشركات وإدارة الثروات الشخصية. وغالباً ما تضم شركاتهم أيضاً أفراداً من الأسر الواسعة الذين يضطلعون بأدوار مختلفة ويملكون مصالح متنوعة. علاوة على ذلك، قد لا تكون حوكمة هذه الشركات العائلية وشؤونها المالية شفافة.

 

كما أن الدين هو بدوره عامل في السوق المصرفية الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي: يريد الأفراد ذوي القدرات الاستثمارية العالية غالبا أن تتوافق بعض استثماراتهم أو كلها مع الشريعة الإسلامية. لكن تصميم المنتجات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية والتي يمكن أن تضاهي عائدات المنتجات الاستثمارية التقليدية وتنوّعها وسيولتها أمر صعب، لا بل لا يزال شبه مستحيل بالنسبة إلى بعض فئات الأصول.

 

تجعل هذه الخصائص من السوق المصرفية الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي فريدة من نوعها ولكن لا تجعل منها غير قابلة للاختراق. بغية تحقيق النجاح، على المصارف الخاصة أن تختارعمودها الفقري للنمو وتوضح المصادر الخاصة المتاحة لها للتمايز التنافسي، وتنتقي استراتيجية قائمة على القدرات. وبشكل أكثر تحديدا، على المصارف المحلية - التي لا تملك غالباً عروضاً محددة للخدمات المصرفية الخاصة - اتخاذ عدد من الخطوات لزيادة حصة محافظ عملائها الأثرياء: تحديد فئات العملاء المستهدفين، تحسين تركيز خدماتها على حاجات العملاء، تطوير عروضها، مواصلة الاستثمار في أحدث تكنولوجيا المعلومات وأدوات المبيعات والأدوات الاستشارية، والانتقال إلى نظام شامل لإدارة الثروات يكون قائما على تقديم المشورة.

 

في هذه الأثناء، على اللاعبين العالميين الأكثر خبرة الدفاع عن حصتهم في السوق في وجه اللاعبين المحليين عبر الاستمرار في رفع مستوى عروضهم ونظام عملهم، مع الحفاظ على أفضل مواردهم (وهذا يشمل إبقاء أفضل المواهب الموجودة لديهم والحؤول دون توجهها إلى مكان آخر). ويكمن التحدي بالنسبة إليها في الاستفادة من علاماتها التجارية وقدراتها العالمية دون تكلفة كبيرة، مع الحفاظ على نموذج علاقات محلي وثيق وتقديم خدمات تلبي الحاجات المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي.

 

يقول فايانوس، "فيما تواصل المنطقة التعافي السريع من الأزمة المالية، لا سيما بالمقارنة مع بعض الأسواق الغربية، نتوقع اشتداد التنافس على مدى السنوات القليلة المقبلة في ظل تطوير اللاعبين".

 

المحليين ما يعرضونه من خدمات وعودة اللاعبين العالميين - القوى الحالية في الصناعة المصرفية الخاصة - إلى العمل على صَون حصتهم في السوق وزيادتها".


هناك أربعة عناصر رئيسية ستكون ضرورية لنجاح هؤلاء اللاعبين في هذه السوق الصعبة:


1 - عروض شاملة ومتكاملة للعملاء تمتد من إدارة الثروات الفردية إلى الخدمات الاستشارية للشركات العائلية، بما في ذلك تمويل الشركات والخدمات المصرفية الاستثمارية.

2 - وعي كامل للنزعات الثقافية، والعلاقات الأسرية، والتفضيلات السلوكية الخاصة بعملائها. ويجب أن تأخد نظم العمل القائمة على المشورة في الاعتبار الاصول القابلة للاستثمار، ومصادر الثروة، والعرق، والحاجات على أساس دورة الحياة ونمط الحياة.

3 - أفضل نظام لتقديم الخدمات يلبي العميل بطريقة فعالة، شخصية، وخالية من المتاعب، ومرنة بما فيه الكفاية لاستيعاب طلبات العميل الإضافية، مثل الامتثال للشريعة الاسلامية، والحلول الائتمانية الشاملة، والاستثمار في الخارج.

4 - التمتع بعلامة تجارية قوية أو على الأقل بسجل حافل في المنطقة، والقيام بالتزام واضح طويل المدى لخدمة العملاء في دول مجلس التعاون الخليجي، وامتلاك استراتيجة قائمة على الاستمرارية ومركّزة على حاجات العملاء، لا على مبيعات المنتجات وتحقيق الأرباح على المدى القصير.

 

يضيف ديمرز، "أخيرا وليس آخرا، على المصارف الخاصة في منطقة الخليج الانغماس في الثقافات المحلية، حيث القيم التقليدية للمصرفية الخاصة - السرية والأمان والجِدّ والثقة والعلاقات الاستشارية النزيهة والعادلة - تنسجم في شكل جيد مع القيم والنزعات الثقافية في المنطقة".

 

خلاصة القول أنه في مرحلة ما بعد الأزمة، تقدّم دول مجلس التعاون الخليجي للمصارف الخاصة فرصا وتحديات في آن واحد. ويمكن للمصارف التي تملك طموحات في المنطقة تحليل سوق مجلس التعاون الخليجي من أجل تحديد "النقاط المثمرة" في احتياجات العملاء، وتقديم عروض متميزة لادارة الثروات (وتبيانها بشكل واضح وفعّال للعملاء)، واتباع استراتيجية نمو تتصل بحجم عملياتها ونطاقها. يختم فايانوس، "عن طريق اتخاذ هذه الخطوات، تستطيع المصارف الخاصة من جميع أنحاء العالم، ومن مؤسسات من مختلف الأحجام، أن تحتل مكانا في هذه السوق المربحة والواعدة. ومع اقتراب الأزمة المالية من نهايتها، حان وقت إعادة التفكير في الوضع الاستراتيجي، واغتنام الفرص المتاحة في الصناعة المصرفية الخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي".