أعلى

 

 

وسط المشهد الخلاب لصحراء طهار تشغل مدينة جايسلمير موقعا متميزا يجذب السياح المنتشرين في أنحاء الأراضي الصحراوية لولاية راجستان. وتسمى المدينة الرملية التي كانت يوما ما ناعسة «المدينة الذهبية» في الهند، وتعد من الوجهات المفضلة للسياح الذين يتدفقون بأعداد غفيرة من شتى بقاع الأرض على مدار العام نظرا لسحر الطبيعة بها وثرائها الثقافي والتاريخي.


وقد شُيدت المدينة من الحجر مما يمنحها «مظهرا ذهبيا» يبهر الأبصار عندما تغطيها الشمس بأشعتها الذهبية. قد يكون فصل الصيف شديد الحرارة، لكن الطقس خلال فصل الشتاء رائع يشبه الطقس في كاليفورنيا، على الأقل أثناء زيارتي في نهاية شهر فبراير (شباط) الماضي. ومثل المدن الأخرى في ولاية راجستان، سوف تكتشف جوانب مختلفة للمدينة أثناء استكشافك لها، فهي تتسم بالحيوية والبهجة. ورغم تفرق الآثار في أنحاء المدينة، سيجذب حصن جايسلمير انتباهك على الفور. فالحصن مبني من أحجار رملية ويعرف محليا باسم «الحصن الذهبي» الذي يقف شامخا وسط الصحراء. من أهم الأمور التي قمنا بها أثناء زيارتنا للحصن بقاؤنا داخله، حيث أقمنا في مبنى سكني يقع داخله يعود تاريخه إلى القرن الثاني عشر. وقدم لنا المقيمون في الطابق الأرضي به غرفة مشيدة من الحجر مثلها مثل المبنى بتجويفاته المختلفة العميقة التي تزينه بأكمله. كانت تجربة الإقامة داخل الحصن فريدة من نوعها، وكانت الممرات الضيقة بمثابة شوارع. وتفسح الشوارع الضيقة مكانا كافيا للدراجات البخارية والتكاتك والأبقار المتصارعة. وكانت محال يبع الهدايا التذكارية تصطف على جانبي الشوارع. لقد بُني الحصن عام 1156 ويقع أعلى تل تريكوتا. وكان شاهدا على عدد من المعارك الهامة.

 

عند وصولنا إلى جايسلمير كانت الأرض قد تحولت إلى صحراء. من أكثر المشاهد المؤثرة وجود 99 حصنا داخل حصن جايسلمير الذي يبدو مثل السراب. ويقع الحصن على بعد 40 مترا من المدينة، وبداخله متاهة من شوارع ضيقة مرصوفة بالحجارة وخمسة قصور متصلة بعضها ببعض، ومعابد يعود تاريخها إلى الفترة من القرن الثاني عشر إلى القرن الخامس عشر ميلاديا، ومئات الملاجئ أو القصور الخاصة الرائعة التي تعود ملكيتها إلى أرستقراطيين وتجار. يمكن للسياح خلال الزيارة مشاهدة المدينة والمناطق القريبة من السور المحيط بالحصن.

 

في الصباح الباكر تقف الأسوار والحصون بشموخ في الفراغ وتنعكس أشعة الشمس الذهبية على جدران الحصن الحجرية محيطة الهواء بهالة ملكية. يذكرنا هذا الحصن بالحقبة الذهبية للملوك وممالكهم.

 

وقد اعتبرت مجلة «لونلي بلانيت» حصن جايسلمير «أكثر الآثار المعرضة للخطر في العالم»، حيث أدى الازدحام الشديد وتأخر حالة الصرف الصحي إلى تردي الأوضاع سريعا. منذ عام 1993 انهارت ثلاث قلاع تعود إلى القرن الثاني عشر، و«في حين يزداد الوعي قد يضر سكان الحصن البيئة المحيطة بهم بعدم اتخاذ إجراءات جادة تحافظ على المكان».

 

وبرزت مدينة جايسلمير نتيجة موقعها على طرق التجارة التي تمر بها القوافل. وتخرج المدينة من قلب صحراء طهار مثل السراب. منذ قرون كانت المدينة تقع على طريق القوافل الذي يربط بين الهند ووسط آسيا. وتثير المدينة الصحراوية المنحوتة من الحجر الرملي المصقول والتي تمتلئ بالحصون ذات الواجهات الحجرية المنحوتة بدقة البهجة في النفوس. ويقدم المرشدين السياحيين رحلات بالجمال. وعندما سألت مرشدا سياحيا محليا عن مدة رحلة السفاري، أخبرني أنها تتراوح بين نصف ساعة إلى شهر إذا أراد المرء. ويمكن إقامة الخيام في ليلة إذا أراد المرء المبيت في الصحراء. وقد قمنا برحلة سفاري قصيرة بالجمال وشاهدنا الغروب أكثر من مرة.

 

تقع السوق الرئيسية «ماناك تشاك» خارج الحصن، وتؤدي إلى أزقة تمتلئ بمبانٍ سكنية شهيرة. إن هذا الملمح من الأمور العظيمة في المدينة، حيث تنتشر في أنحاء المدينة ولكل منها واجهته المميزة.

 

ولا تكتمل زيارة المدينة إلا بزيارة مبنى «باتوان» المنحوت بدقة والمكون من خمسة طوابق وينقسم إلى ست شقق، تشغل جمعية الآثار الهندية اثنتين منها. وقد شيد غومان تشاند باتوا، تاجر ثري ومصرفي أنجب خمسة أبناء في ما بعد وكان يملك أكثر من ثلاثمائة مركز تجاري من أفغانستان إلى الصين، هذا المبنى في خمسين عاما. ويعد هذا المبنى أعظم المباني السكنية، وتغطي اللوحات الزيتية الجدارية حوائط إحدى الشقق في هذا المبنى.

 

وبجانب مبنى «باتوان كي» يوجد متحف ينبغي زيارته. سيتوجب عليك شراء تذكرة، وإذا كنت سائحا من دولة أخرى يمكنك دفع رسوم جولة صوتية لتعرفك بالمتحف. عليك أن تبحث عن لافتة لسماعة عليها رقم ثم الضغط عليها ومن ثم سيبدأ عمل شريط التسجيل. يعبر هذا المكان عن الكثير من جوانب مدينة جايسلمير وثقافتها. ويضم المتحف أسلحة وعملات وشجرة عائلة الملوك وأسهما وأقواسا وتيجانا لملوك، وسرير الملكة والكثير من المقتنيات التي تأخذك في رحلة عبر تاريخ هذا الحصن العظيم.

 

وفي الطريق إلى المدينة اطلب من السائق أن يريك عنب الثعلب الهندي الذي يبعد بضعة كيلومترات عن المدينة. وتغطي قشرة خضراء كل نباتات عنب الثعلب حتى تحميها من التعرض المباشر لأشعة الشمس. كان يتم ترميم جزء من الحصن عند وصولنا. عليك أن تنزل أسفل الحصن وتستقل تكتكا لتصل إلى المنطقة الرئيسية من الحصن ومنها يمكنك الحصول على مرشد.

 

وتعد كثبان سام الرملية أكثر الأشياء اللافتة للأنظار في المدينة التي تبعد 42 كلم عن وسطها. ويقال إنه لا تكتمل زيارة المدينة إلا بزيارة ذلك المكان، الذي يمكن من خلاله أن يرى السائحون السحر الأخّاذ لصحراء طهار. وتشتهر الصحراء بمساحات شاسعة من الكثبان الرملية التي تلامسها الرياح. وأفضل طريقة لاستكشاف هذه المساحة من الرمال هي امتطاء الجمال. ويعد هذا المكان الأفضل لمشاهدة الشروق والغروب. أكثر هؤلاء يذهبون بالجمال. إذا لم تكن امتطيت جملا قبل ذلك فيمكنك الاستعداد لذلك بالجلوس على برميل لعدة أيام.

 

لقد قضينا ليلة واحدة تحت النجوم، وبعد السير لساعات في درجة حرارة مرتفعة أقمنا مخيما على الكثبان، ولم يظهر الآخرون.

 

يجذب التخييم في منطقة الكثبان الرملية الكثير من السائحين، حيث يضفي ذلك المزيد من الإثارة على الجولات في المدينة وراحة البال بعيدا عن صخب المدينة. ويمثل ارتفاع درجات الحرارة في هذه المنطقة من العالم تجربة فريدة. وكانت الخيام مزودة بتجهيزات متعددة حديثة، من كهرباء ودورات مياه ومياه جارية. وتملأ الليالي في تلك المخيمات بالمرح والموسيقى التي يعزفها موسيقيون محليون.

 

وتبعد الكثبان الرملية 64 كلم عن باكستان، ومررنا في طريقنا بالجاموس ورجال يرتدون ملابس بيضاء وصفراء اللون يمتدون حتى أبعد نقطة يصل إليها النظر. وتحت الشمس تستلقي مجموعة من الجمال، بينما يتمدد صاحبهم على الكثبان الرملية يمضغ أوراق البان ويراقبهم عن كثب.

 

بالنسبة لمن يرغبون في قضاء شهر العسل، تمثل المدينة وجهة رومانسية مثالية بماضيها الرومانسي. ولا تزال مشاهد من الحياة الملكية خلال العصور الوسطى باقية ولم تتأثر بالمؤثرات الثقافية التي اكتسحت الهند، والتي تبشر بتجربة ملكية. تعد مدينة جايسلمير مملكة من عالم القصص الخيالية بطابع ملكي، مما يمثل فرصة رائعة لقضاء شهر العسل في الهند.

 

وتبلغ تكلفة مشاهدة الغروب وامتطاء الجمال وكثبان سام الرملية نحو 300 روبية. وتبلغ تكلفة الإقامة لليلة 1000 روبية. لكن تظل هذه الأسعار تنافسية، ويمكنك أن تحصل على ما تريد من إقامة المزيد من الليالي المريحة. لكن العائلة التي تستضيفك ستعد وجبة كاملة ويمكنك أن تعرف المزيد عن الحياة الحقيقية في المدينة بينما تتناول عشاءك بين الحملان والماعز. ويعد هذا طريقة جيدة لمعرفة نمط الحياة اليومية للكثير من السكان في تجربة لا تنسى، خصوصا إذا هبت عاصفة رعدية.

 

من أفضل الأوقات لزيارة المدينة هو وقت مهرجان الصحراء الذي يقام في شهر فبراير (شباط) من كل عام، حيث تصدح الألحان والإيقاعات الرائعة في أرجاء المدينة. وتنتشر الرقصات الشعبية والمسابقات المثيرة، خصوصا مسابقة لفّ العمامة ومسابقة سيد الصحراء وسباق الجمال. ويتم إقامة أسواق المقتنيات الفنية ابتهاجا بالمناسبة. ويتم تنظيم عرض صوت وضوء، ويؤدي فنانون شعبيون عروضهم على الكثبان الرملية الشهيرة التي تمثل خلفية رائعة.

 

ومع مهرجان الصحراء الذي يمتد لثلاثة أيام ويعرض نمط حياة الذين يعيشون في الصحراء، أصبحت الكثبان الرملية تموج بالحياة. تجمع الناس من شتى أنحاء العالم في المدينة لزيارة ولاية راجستان. وكان المشهد يتضمن رجالا ذوي شوارب يرتدون عمامات ونساء بملابسهن التقليدية وجمالا مزينة وسياحا يحملون آلات التصوير الخاصة بهم.

 

وكذلك من ضمن الفعاليات سباق الجمال وجولات بالجمال ومسابقة تزيين الجمال ومسابقة أجمل شارب واستعراض الجمال المزركشة. ولمحبي المغامرات الحريصين على الشعور بالصحراء يتم تنظيم رحلات سفاري، وهو ما يمثل طريقة رومانسية لاستكشاف الصحراء والمساحات الشاسعة من الرمال والقرى النائية المهجورة. وتضفي أشعة الشمس الغاربة على المدينة لونا ذهبيا فائق الجمال.

 

من الأماكن الأخرى التي تستحق المشاهدة بحيرة غادسيسار التي تتكون من مياه الأمطار، تحيط بها مجموعة متنوعة من الطيور. إنه مكان مثالي للقيام بجولة رومانسية بالقارب.

 

ويحافظ المتنزه القومي على النظام البيئي للصحراء داخل حدوده، حيث تضم سحلية الورل وثعلب الصحراء والنيص والذئاب الموسمية والظبي الأسود والدجاج الباري الهندي، مما يمثل سلسلة بيئية تتمحور حول الصبار ونباتات الصحراء الأخرى. من أفضل ما يمكن شراؤه من المتاجر الموجودة في المدينة الصناديق الخشبية والأعمال اليدوية والسجاجيد التقليدية. وتصطف مجموعة من المحال على مما يمنح السائحين معرفة نمط حياة سكان راجستان. فضلا عن ذلك يمكن للسائحين رؤية الألوان والتصميمات والأقمشة التي تشتهر بها ولاية راجستان. من أهم الأشياء التي يتم شراؤها من متاجر بيع الهدايا التذكارية الحلي والمرايا ومفارش المناضد المطرزة. كذلك يمكنك البحث عن الصناديق الخشبية المنقوشة في المتاجر الصغيرة. وتتوفر السجاجيد التقليدية والأغطية المنسوجة يدويا والشالات ذات الألوان التي تشتهر بها ولاية راجستان. من أماكن التسوق التي تقع في نطاق الحصن «سادار بازار» و«سنارون باص» و«ماناك تشاك» و«بنصاري بازار» و«غاندي دارشان» و«سيما غرام» ومتجر حكومة «راجستان» ومركز «كادي غرامادوغ» التجاري.

 

مثل أي مدينة أخرى في العالم، من الضروري معرفة بعض المعلومات عن جايسلمير قبل التخطيط لرحلتك إلى المدينة. هذه الأمور الصغيرة هامة، حيث يمكن للنصائح الخاصة بالسفر أن تساعدك على تفادي السلبيات. وإليك بعض النصائح التي قد تفيدك خلال رحلتك إلى المدينة:

* نظرا لمناخ المدينة الذي يتسم بارتفاع الحرارة والجفاف، خصوصا خلال فترة النهار في فصل الصيف رغم انخفاض درجة الحرارة ليلا لمناخها الصحراوي، يجب أن تتناسب الملابس مع الظروف الجوية خلال موسم الزيارة.

* لا تلتفت إلى أي شخص يعرض عليك المساعدة في محطة قطارات نيودلهي، فهو بالتأكيد سيكون مندوب مبيعات. اشترِ تذكرتك من خلال شبكة الإنترنت من خلال دفع رسوم زهيدة إضافية ولا تظهرها لأي شخص إلا مفتش القطار.

* تناول الطعام في الأماكن التي يعتاد الكثير من الهنود تناول الطعام بها، لأن أسعارها لن تكون سياحية. اقضِ يومين في حديقة «رانثامبور» إذا كنت ترغب في مشاهدة نمر. لا تجبر نفسك على التجول في كل قصر وحصن، بل اختَر بعضها والتقط صورا لبقيتها من الخارج.

* احرص على أن يكون معك عملات من الفئات الصغيرة لإعطاء البقشيش. وسيكون عليك توزيع بعضها وبالتأكيد لن تريد إنفاق كل ما معك من نقود.