إذا كان لبنان يشكل الوجهة الأساسية بالنسبة إلى عدد كبير من السياح العرب والأجانب الذين يجدون تحت سمائه عوامل سياحية جاذبة من السهر والترفيه والطقس الجميل وحسن الضيافة، تساهم مجتمعة في زيادة عدد هؤلاء سنويا، فإن لقطاع التسوّق عنوانه الثابت أيضا والأساسي في أي برنامج سياحي لمناطق بلد الأرز ولا سيّما في العاصمة بيروت حيث تنتشر الأسواق على اختلاف أنواعها والتي تتنافس فيها أرقى الماركات الموجودة في أهم الأسواق العالمية مثل باريس وروما ونيويورك وميلانو.. وبالتالي فإن التسوّق يحتلّ مركزا مهما في سلّم أولويات السيّاح الذين يقصدون لبنان، وتعكس الجولة في أسواق المدينة في مختلف المواسم ولا سيّما منها في فصل الصيف، صورة واضحة عن هذه الظاهرة، وذلك من خلال العدد الكبير للسياح الذين صاروا على دراية تامة بواقع السوق اللبنانية وبمراكز التسوّق وعناوين المحلات التجارية.
وليس الأرقام التي نشرتها أخيرا وكالة الأنباء السعودية إلا دليلا عن هذا الواقع، إذ حل لبنان في المرتبة 22 عالميا لناحية نمو التدفق السياحي بزيادة نسبة 17.6 في المائة في عام 2010 عن عام 2009 مع العلم أن عائدات السياحة في لبنان كانت قد بلغت 68 مليارا في عام 2009 مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 16.4 في المائة عن عام 2008 ما شكّل ثاني أعلى نمو في العالم العربي.
ومما لا شكّ فيه أنّ عوامل السياحة التي يتمتّع بها لبنان تساهم مجتمعة في «تغذية» بعضها البعض والوصول إلى حركة سياحية ناشطة، الأمر الذي ينعكس بشكل إيجابي وبالدرجة الأولى بعد قطاع المطاعم والفنادق، على السوق اللبنانية الذي يحظى بحصّة مهمّة في خطط السياح وبرامجهم. وفي نظرة سريعة على هذه الأسواق يظهر مدى نموّها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، وهي تنتشر في بيروت وبعض المناطق الأخرى حيث الخيار مفتوحا أمام كلّ الأذواق والميزانيات التي تناسب كلّ من يهوى السير على خطى الموضة العالمية بنسختها اللبنانية، ولا فرق هنا بين تلك المخصّصة للنساء أو الرجال والأطفال. كذلك لحضور مصممي الأزياء اللبنانيين العالميين في بيروت وقعه الأساسي في هذا القطاع، بعدما صاروا يشكّلون مقصدا للسياح العرب للتحضير لمناسباتهم الخاصة. وفي هذا الإطار، يقول المصمم اللبناني عبد محفوظ للـ«الشرق الأوسط»: «شهرة لبنان في عالم الموضة تشكّل عاملا مهما في زيادة عدد السياح وهذا ما تعكسه الزيارات المستمرة التي يقوم بها زبائننا للاطلاع على آخر تصاميمنا وتأمين متطلباتهم ولا سيّما في المناسبات الخاصة، إذ إنّ الأسواق اللبنانية وحرفية المصممين اللبنانيين جعلت بيروت مقصدا للسياح ولا سيّما العرب منهم على اختلاف جنسياتهم، فهم يقصدون لبنان لتأمين كافّة مستلزمات المناسبات الخاصة ولا سيّما منها الأعراس، إذ يأتي مثلا في مناسبات كهذه عدد كبير من أفراد العائلة ويمضون في لبنان أياما عدّة إلى أنّ يؤمّنوا متطلباتهم، الأمر الذي ينعكس إيجابا أيضا على السوق في لبنان بشكل خاص والسياحة بشكل عام، وهذا ما يسعى إليه المصمّم اللبناني الذي لا يزال وجوده في الدول العربية من خلال المكاتب أو المحلات الخاصة به، مقتصرا على الألبسة الجاهزة وليس ما يعرف بالـ haute couture التي يبقى الحصول عليها مرتبطا بزيارة لبنان».
وترتكز أبرز عناوين التسوّق في مناطق محددة أهمها منطقة وسط بيروت حيث أعيد افتتاح الأسواق منذ سنوات قليلة وباتت من أهمّ المراكز التي تستقطب السيّاح بعدما اجتمع تحت سقفها فروع لأهمّ الماركات العالمية الإيطالية والفرنسية وغيرها بأسعارها الباهظة إضافة إلى محلات لماركات إسبانية وتركية ويونانية ودنماركية تتنافس في ما بينها بأسعارها وتصاميمها المستوحاة من آخر ابتكارات الموضة وذات نوعية جيدة تناسب الطبقات المتوسّطة. مع العلم، أنّ انتشار فروع هذه المحلات في عدد كبير من المناطق يعكس صورة واضحة عن مدى نجاحها في لبنان الذي يحتلّ المرتبة الثانية بعد دبي من حيث عدد المحلات التي تمتلك حصرية وكالتها في الدول العربية شركة «آزاديا غروب»، ومنها «مانغو» و«زارا» و«ماسيمو دوتي» وغيرها من الماركات المتوسّطة، إذ إنّه يوجد في دبي نحو 121 محل لـ30 علامة تجارية، فيما يتوزّع في لبنان 73 محل باسم 22 منها. وبالتالي، ليس غريبا القول مثلا أن محلات «فيرو مودا» الدنماركية التي تمتلك 3000 فرع لها في مختلف أنحاء العالم تحظى بحصّة الأسد في لبنان حيث يوجد لها 24 فرعا. فيما يتوزّع لمحلات «زارا» الإسبانية 7 فروع في لبنان من أصل 1500 فرع في دول عدّة.
كذلك تحظى المجمعات التجارية الكبيرة بحضورها في المناطق اللبنانية وباتت تشكّل اليوم بالمحلات التي تجتمع تحت سقفها عالما تسويقيا وترفيهيا بحدّ ذاته، فهي تؤمّن للمتسوّق حاجاته من «البابوج إلى الطربوش» في مكان واحد من دون أن يبذل عناء التنقّل من مكان إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى، فمثلا، مجمع الـ«ABC» في منطقة الأشرفية الذي يمتدّ على مساحة 37 ألف متر مربّع، يضم نحو 300 محل معظمها للألبسة والأحذية ذات الماركات العالمية إضافة إلى المجوهرات وغيرها من المحلات التي تشمل كلّ متطلبات العائلة.
ومن يقرر التوجه نحو شمال بيروت فسيكتشف مجمعCITY MALL التجاري، في منطقة ضبيه على مساحة 75 ألف متر مربع، وهو يعتبر من أكبر مراكز التسوق في العاصمة اللبنانية ويقصده اللبنانيون من مختلف المناطق ولا تختلف هوية المحلات المجتمعة فيه كثيرا عن تلك الموجودة في الـABC سواء لناحية محلات الألبسة أو الأحذية أو المطاعم ووسائل الترفيه والأمر نفسه ينسحب أيضا على مجمّع «LE MALL» الذي افتتح منذ سنوات قليلة في منطقة الحازمية حيث الصورة والأهداف نفسها سواء لناحية التسوّق من أهمّ الماركات العالمية أو لناحية وسائل الترفيه.
لكن وفي المقابل، للشوارع في لبنان بشكل عام وفي بيروت بشكل خاص هويتها التسويقية أيضا التي جعلتها مقصدا للبنانيين والسياح على حدّ سواء، ويمثل شارع الحمرا نموذجا مثاليا لهذا الواقع، فهذا الشارع الذي لطالما عرف بصورته الثقافية يسير على طريق الموضة بخطى ثابتة من دون أن يتخلى عن هويّته الأساسية جامعا بين المحلات التي تقدم الثياب والأحذية والحقائب المصنوعة محليا وذات تصاميم عالمية والمتوفرة بأسعار مقبولة.
وعلى مقربة من شارع الحمراء تقع منطقة فردان التي تعرف باحتوائها أهم المحلات التجارية، لا سيما في مراكز «فردان 730» و«فردان 732» و«ديون»، حيث تتوزع فروع فخمة لمحلات تبيع أرقى البضائع من الثياب والأحذية والمجوهرات. كذلك لا تبعد سوق مار الياس إلا أمتارا قليلة عن فردان وهو بدوره يجمع آخر ابتكارات الموضة من الألبسة والأحذية والمجوهرات، إضافة أيضا إلى الفساتين الخاصة بالمناسبات بأسعار متفاوتة بين المقبولة والمرتفعة.
وفي مكان آخر من بيروت تحظى منطقة فرن الشباك بسوقها الشعبي الذي يضمّ عددا كبيرا من المحلات المتخصّصة في فساتين السهرة والأعراس. وللتبضّع ولملء الحقيبة كما يجب ولا سيما «مؤونة الأحذية» ذات الموديلات المتنوعة والموقعة بماركات عالمية أو تلك المصنوعة محليا التي تتميز صناعتها بحرفية عالية، لا بدّ من التوجه شمالا نحو سوق الزلقا، حيث تتوزع عشرات المحلات على طول الشارع. وشمالا أيضا وتحديدا في منطقة جونية، تتصدّر سوق الكسليك أسواق المنطقة بعدما ذاع صيتها وشبّهت بشارع أكسفورد في لندن، لا سيّما أنّها كانت السوق الأولى التي افتتحت في لبنان بعد الحرب اللبنانية جامعة أشهر الماركات العالمية.
في المقابل، لشارع آراكس في برج حمود، عالمه التسويقي الخاص. هذا الشارع الذي تصنّع فيه البضائع على اختلاف أنواعها من الثياب إلى الحقائب والأحذية وتتراوح نوعيتها بين المتوسّطة والجيدة، تحوّل إلى المصدّر الأساسي لهذه المنتجات إلى داخل لبنان وخارجه، وصار مقصدا للسياح القادمين إلى لبنان والذين يجدون فيه ضالّتهم ولا سيّما منها البضائع المقلّدة ذات التصميم العالمي إنما بصناعة لبنانية وبنوعية جيدة وبأسعار مغرية بل وحتى خيالية مقارنة بتلك الأصلية.
وفي ظلّ هذا «الواقع التسويقي» الناشط يبقى لمهرجانات التسوّق مواعيدها التي صارت معروفة إلى حدّ ما في لبنان، على غرار الأسواق العالمية، وتبدأ بوادر التخفيضات خلالها على البضائع والمجموعات الشتوية تتسلّل إلى الأسواق على اختلافها في النصف الثاني من شهر ديسمبر (كانون الأول) لتزيد حدّتها وقد تصل إلى الـ70 و80 في المائة في بعض المحلات، خلال شهر فبراير (شباط) من كل عام، والأمر نفسه ينطبق على المجموعات الصيفية بدءا من شهر أغسطس (آب) وصولا إلى سبتمبر (أيلول) قبل أن تنفض الواجهات عنها حرارة ملابس الصيف وتعود تنطلق بمجموعة الخريف.
وفي نهاية الرحلة التسويقية، للسائح في لبنان أو للمغترب الذي أمضى ما لا يزيد على 3 أشهر داخل الأراضي اللبنانية، فرصته وهو في طريق المغادرة لاستعادة ضريبة القيمة المضافة التي تبلغ 10 في المائة من السعر، المعروفة بالـ«TVA» والتي سبق له أن دفعها خلال شرائه بعض البضائع من المحلات التي تضع شعار «ضريبة التسوّق الحرّ»، ويستثنى منها خدمات الفنادق والمطاعم واستئجار السيارات والاتصالات والتبغ.. وذلك من خلال حصوله على فاتورة موقّعة باسم المحلّ ليقدّمها في مطار بيروت لدى قسم الجمارك حيث يتمّ إجراء الخطوات الإدارية المطلوبة والتي يؤمّن من خلالها استعادة المبلغ إما نقدا أو عبر شيك مصرفي أو عبر بطاقة الائتمان.