شنغهاي حيث تلتقي العراقة والحداثة
ليست شنغهاي، المدينة الصينية والوجهة العالمية لرجال الأعمال، وأكثر المدن ازدحاما في العالم، مكانا للعمل فقط. يمكنها ان تكون أيضا مدينة للتسلية والترفيه. هي مدينة متنوعة، تجد فيها كل أنواع البشر يتحدثون بكل اللغات، كيفما تجولت في شوارعها، غالبيتهم جاءوا لشراء بضائع والعودة بها إلى بلدانهم. ولذلك فهي توفر لهذا التنوع، صنوفاً مختلفة من التسلية والترفيه والطعام والسهر. إذهب إلى مطعم تركي أو لبناني وستشعر أنك في بلدك، الناس من حولك تتحدث اللغة العربية، والنساء تغلب عليهن المحجبات، والرجال بمعظمهم ملتحون. إذهب إلى مطعم صيني أو ياباني أو إيطالي، وستعبق في أنفك رائحة كل من هذه المطابخ، تؤازرها هالة التقاليد الخاصة بالبلد المعني. وهي أيضا مدينة لآخر التكنولوجيات، كما للأزياء الراقية، والفنادق الفاخرة، والموسيقى حيث يمكن لك ان تجد ما تريد ان كنت مليارديرا آتيا إلى المدينة لإنجاز صفقة أو عقد اجتماع، أو كنت تاجرا عاديا ذاهبا لشراء بضائع، أو حتى شخصا فقيرا من ابناء المدينة أو الباحثين عن رزق فيها. لكن شنغهاي تبقى رمز نمو الصين بشكل لا تخطئه العين. ناطحات السحاب التي تتزين بالأضواء وتحمل علامات الشركات العالمية الكبرى، والمباني السكنية الضخمة الشاهقة والعريضة التي يضم الواحد منها مئات الشقق، تدل على ذلك. حتى الجسور المخصصة لتحسين حركة السير بعضها يتألف من خمسة طوابق. وإلا كيف يمكن للمدينة أن تتكيف مع تزايد عدد السيارات التي تضاعفت خمس مرات في غضون عقد واحد, والمدينة، الأكثر كثافة سكانية في العالم بـ 24 مليون نسمة، تنمو بسرعة كبيرة. ويقول لك السكان المحليون أنك إذا زرتها مرة ثانية، فستلاحظ حصول تغييرات، حتى لو بعد سنة من الزيارة الأولى.
رغم الطابع المستقبلي لشنغهاي وضخامة المباني السكنية ومباني الأعمال، إلا أن أكثر من نصف سكانها لا يزالون يعشيون في بيوت زراعية أو في أحياء قديمة ذات مبان صغيرة، لكن ذلك يتغير مع الوقت، لأن الحكومة تقوم بالكثير من المشاريع التي تقوم على مصادرة هذه المباني لهدمها وإنشاء مبان ضخمة مكانها تستطيع أن تؤوي أعدادا أكبر من الناس، مع التعويض على الذين يتم إخلاؤهم. وإذا جلت بالسيارة في المدينة، لن تجد الكثير من المساحات الخضراء، التي قلصتها المباني. مشاهدة شنغهاي لا تكتمل إلا برحلة بسفينة تعبر نهر هوانغ بو الذي يبلغ عرضه 400 متر ويشطر المدينة إلى نصفين شرقي وغربي، يسمهيما المحليون بودونغ وبوكسي، قبل أن ينحدر ليصب في بحر الصين الشرقي. تمتد رحلة السفينة نحو ساعة بين جسري يانغبو ونانبو، وإذا كانت عند الغروب، كما حصل في رحلتنا، يمكن لركاب السفينة تسجيل لحظة إضاءة ناطحات السحاب في منطقة بودونغ، أي الضفة الشرقية للنهر. الجميع يصعد إلى الطوابق العليا في السفينة ويبدأ في أخذ صور سيلفي مع العائلة أو الأصدقاء على خلفية الناطحات.
«برج اللؤلؤ الشرقي» الذي يظهر بكامله من النهر يوفر مشهدا من عل للمدينة ويشبه البرج الرئيسي بين أبراج الكويت. يسمى البرج برج التلفزيون والإذاعة لأنه يشمل هوائيا للبث التلفزيوني والإذاعي. ويبلغ ارتفاعه 468 مترا. ولكنه يضم أيضا منصات للمشاهدة على 360 درجة توفر رؤية بانورامية للمدينة. وهو يعتبر تحفة معمارية صممها مهندسون صينيون واستغرق بناؤه ثلاث سنوات بين 1991 و1994. أعلى منصات المشاهدة تقع على ارتفاع 350 مترا وتسمى «الوحدة الفضائية». ويمكن للمرء أن يلاحظ خلال الرحلة الفارق في الطابع المعماري بين ضفتي النهر، وتنتشر على الجهة الغربية بنايات عادية غربية الطابع، فيما ترتفع الناطحات على الجانب الشرقي إلى ما فوق الغيوم.
أحد أبرز المعالم السياحية في شنغهاي، «بازار يويوان»، أي السوق المبنية بالقرب من «حدائق يويوان» وتقع في قلب البلدة القديمة في شنغهاي. وتضم السوق عددا كبيرا من المحلات وممرات ضيقة حيث يعرض الباعة بضائعهم من الأطعمة والهدايا للسياح والسكان المحليين، إلى جانب المقاهي التي يستمتع مرتادوها بتذوق الشاي الصيني ورؤية المارة.
وكلمة «يويوان» تعني حدائق السلام والصحة، وهي متنفس لسكان المدينة التي كانت منذ تاريخها مدينة للعمل. بنيت الحدائق للمرة الأولى، في القرن الخامس عشر، في زمن سلالة مينغ التي حكمت الصين، كحدائق خاصة على يد شخص يدعى بان يوندوان الذي أنفق كل مداخراته، واستغرق 20 عاما ليبنيها إرضاء لوالديه، اللذين كانا قد تقدما في السن. وعلى مدى الأعوام الـ 400 الماضية تم ترميم الحديقة وإعادة افتتاحها مرات عدة آخرها كان في العام 1956 على يد الحكومة التي أعادت إليها أناقتها وجمالها كما كانت عند بنائها. في«يويوان» تتكرر المفاوضات نفسها على الأسعار التي تجري في كل أسواق شنغهاي، ولكن بحدة أقل. هنا يمكن أن يتنازل البائع عن 30 إلى 40 في المئة من السعر كحد أقصى.
الطعام الصيني وحده قصة، وإذا كنا في بلداننا نظن أننا نعرفه من خلال المطاعم الصينية المنتشرة هنا وهناك، فإن التجربة في الصين تختلف. هناك كل شيىء صيني من الديكورات التي تراعي التقاليد الصينية حيث قد يكون المبنى نفسه بقدم هذه التقاليد، إلى النكهات والبهارات التي تستخدم في الأطعمة. أحد المطاعم القديمة، مقسم إلى غرف مستقلة لا إلى طاولات، في كل غرفة طاولة واحدة مستديرة فوقها طبقة زجاجية مستديرة أيضا، وتدور بأطباق الطعام بحيث إذا أراد أي من المدعوين تناول صنف ما من الأطعمة الموجودة على الطاولة، يقوم بإدارتها حتى يصبح النوع المقصود أمامه، فيسكب منه. تعتمد الغرف المستقلة لتوفير الخصوصية للعائلات التي لا ترغب في أن يشاركها غرباء المكان نفسه. قد لا يستسيغ لساننا معظم الطعام الصيني، فالنكهات يعتاد عليها اللسان منذ الصغر، وهي مرتبطة بتوفر هذا النوع من النباتات أو اللحوم أو ذلك، في هذا الجزء أو ذاك من العالم، منذ القدم، فتصبح النكهة مألوفة وكذلك أدوات تناول الطعام، بينما تكون غير مألوفة لمن هو غير معتاد عليها.
الشاي أيضا له طعمه الخاص وطقوس تقديمه وأوانيه وأكوابه الخاصة والتي تضفي على النكهة المختلفة أيضا عما نعهده في الشاي، رونقا خاصا يجعل من تناوله تسلية بحد ذاتها. منذ ان وطأت أقدام الرحالة الأوائل هذه البلاد الهائلة والغامضة والموغلة في القدم، وعادوا ورووا ما فيها، ما انفكت الصين تبهر وتسحر زوارها، وتوفر لهم دائما الجديد والغريب الذي يحقق لهم متعة ودهشة الاكتشاف. وزائر شنغهاي يحب أن يكون على موعد آخر معها، فزيارة واحدة من أيام معدودة لا تشبع الفضول لسبر غور هذه المدينة العملاقة والجميلة في آن.