أعلى

 

في وسط مدينة حماه السورية، الواقعة على مسافة تقرب من 200 كلم إلى الشمال من العاصمة دمشق، وتحديدا في الجهة الشرقية من مركز المدينة، وسط منطقة سياحية عابقة بالتراث، يقع قصر محمد باشا الأرناؤوط. القصر، عبارة عن مبنى تاريخي جميل يعود تاريخ تشييده إلى العصر العثماني. وهو يحمل اسم محمد باشا الأرناؤوط الذي كان واليا عثمانيا على حماه. غير أن القصر ظل مهجورا منذ أكثر من عشرين سنة، كما كان من قبل، منذ خمسينات القرن المنصرم مستخدما كسجن مركزي مدني لمحافظة حماه قبل بناء سجن حديث شرقي المدينة. وفي الفترة الأخيرة قرر مجلس مدينة حماه، الذي هو الجهة المالكة لهذا المبنى التاريخي، وبالتعاون مع وزارة السياحة السورية، عرضه في سوق الاستثمار السياحي ليجري توظيفه سياحيا كفندق ومطعم تراثي. وبالفعل، رسا عقد استثماره على أحد رجال الأعمال، ولقد باشر هذا الأخير بترميمه ليستثمره في ما بعد لمدة 25 سنة. وشرح سعيد الضامن، من مديرية سياحة حماه لـ«الشرق الأوسط» واقع القصر وتوظيفه قائلا: «يتموضع القصر على مساحة تبلغ نحو 4000 متر مربع، ويضم نحو 50 غرفة في طابقين. وسيجري توظيف الطابق العلوي كفندق من فئة ثلاثة نجوم، وسيضم بعد الانتهاء من ترميمه وافتتاحه ناديا صحيا ورياضيا وصالة حفلات وغاليري (صالة عرض) فنية وقاعة اجتماعات وغيرها. ثم هناك التراس (الشرفة) فوق الطابق العلوي الذي سيوظف كمطعم صيفي، وهناك مطعم ثان، وسيتسع المطعمان لنحو 350 كرسيا. أما الطابق الأرضي فسيوظف كقاعات ومحلات عرض تحف شرقية وأرابيسك». وأردف: «تسير أعمال الترميم حاليا بشكل جيد ليعود القصر كما كان سابقا مع المحافظة على نسيجه المعماري القديم ومن خلال إشراف مديرية الآثار على هذه الأعمال، وهذا على اعتبار أن القصر مسجل كمبنى أثري. وقد أنجز تنظيف واجهات القصر، وأعيد لها رونقها من الخارج، وجار راهنا العمل على ترميم جدران القصر من الداخل».  من ناحية ثانية، أشار الباحث التاريخي محمد مخلص حمشو، في سرده عن تاريخ عمارة قصر الأرناؤوط إلى «أن العديد من المؤرّخين والرحالة ذكروا هذا القصر، منهم أوليا جلبي الذي قال: إن في حماه كثيرا من القصور الفخمة ذات الحدائق الغناء والأحواض والمياه الدافقة وأشهرها قصر محمد باشا الأرناؤوط وهو مبني على شاطئ العاصي وفيه ثلاثمائة غرفة وقاعات عديدة وحمامات وحدائق ولم أر مثل هذا القصر إلاّ في دمشق..». وتابع حمشو: «إن هذا الوالي، الذي كان قد وُلي مدينة طرابلس اللبنانية ثلاث مرات قبل توليه مدينة حماه، مولعا ببناء القصور. كما بنى جامعا في وسط حماه أطلق عليه اسم جامع المدفن إذ دُفن الوالي الأرناؤوط فيه وعلى قبره تاريخ وفاته في عام 1086هـ. ولاحقا حوّل القصر من مكان سكن للوالي الأرناؤوط إلى دار للحكومة، وبعدها إلى مقرّ للسجل المدني إبان الانتداب الفرنسي.. وقد أحرقه الثوار في ثورة 1925. ومن ثم تحوّل بعد ذلك إلى سجن حماه المركزي، وكانت إسطبلاته مقرا لآليات ورحبة الشرطة في خمسينات وستينات القرن الماضي. وكان يوجد في طابقه العلوي بعض مكاتب الشرطة، ومنها لجنة المرور وشهادات السواقة قبل أن يُهجَر ويهمل، ليغدو في وضع بائس يرثى له. على الصعيد المعماري، كما يؤكد كثرة من الباحثين والمعماريين أن قصر الأرناؤوط يقدم صورة نموذجية لأبنية مدينة حماه العريقة في العصر العثماني من حيث تصميمها الهندسي الفريد وأبنية الحجر المحلية، التي هي عملية بسيطة ذات أبعاد متناسبة مع ميل للزخرفة وشعور بتناسق البنيان. كذلك فإن هدوء المنظر الطبيعي والحدائق والأقنية الحجرية ميزات تعطي جمالا ريفيا آسرا لهذه البيوت ومنها قصر الأرناؤوط». وخلال لقاء مع الباحث الأثري كامل شحادة، شرح لنا مفردات القصر والبيوت الحموية الكبيرة التي شيّدت إبان الحقبة العثمانية، والتي تأثرت بفنون العمارة المملوكية، إلى جانب تصاميم قدمها المهندس الشهير سنان، حيث هناك الباحة السماوية المفتوحة المبلّطة بالحجر المنقور. فقال: «توجد في هذه الباحة بعض الأشجار التزيينية أو المثمرة، والبركة التي يأتي إليها الماء سابقا من إحدى النواعير القريبة الراكبة على نهر العاصي. ثم هناك القاعة الكبيرة المفروشة بالبلاط الحجري المنحوت، وقد ترافق هذا البلاط مجموعة من التزيينات الرخامية المختلفة الأشكال والألوان. ثم الأواوين (جمع إيوان) المسقوفة بسقف عادي، وغرفة مربعة صغيرة كبيرة يسميها العامة (مربعا). وتتميز الغرف بالشبابيك الحديدية التي تطل على الباحة، وهذا ما ينطبق على قصر الأرناؤوط الذي كان يضم عشرات الغرف وقاعات عديدة وحمامات وحدائق».