معضلة الطيران منخفض التكلفة: رفع أسعار الرحلات أم دخول أسواق جديدة؟
تواجه سوق الطيران منخفض التكلفة ظروفاً صعبة وسط موجة الاضطرابات الأمنية والسياسية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وارتفاع كلفة التشغيل نتيجة لارتفاع أسعار الوقود إلى ما يساوي 123 دولاراً أمريكياً . وبدأت شركات الطيران تنظر في ضرورة إعادة النظر في مجمل رحلاتها في المنطقة، لاسيما إلى الوجهات الأكثر تأثراً بالاحتجاجات الشعبية. لكن هل تتمكن شركات الطيران منخفض التكلفة من تحويل هذه التحديات إلى فرص للبحث عن مصادر نمو أخرى عبر التحول إلى أسواق جديدة؟
أوقات مليئة بالتحديات مع الاضطرابات الأمنية وارتفاع أسعار النفط
في مقابلة مع AME تحدّث سايمون ستيوارت، الرئيس التنفيذي لطيران ناس عن السوق السعودية قائلاً: "إن الارتفاع الأخير في أسعار النفط بفعل الاضطرابات الساسية والجغرافية يستمر في التأثير على قطاع الطيران منخفض التكلفة. ولقد حاولنا لغاية الآن ألا نجعل عملائنا يتحملون الأعباء المالية المترتبة عن كلفة التشغيل المتزايدة، ولكن بات لا بد من النظر في هذا الاحتمال. ونظراً إلى أن منافسنا الأساسي في السعودية يحصل على دعم كبير في كلفة الوقود، وأن شركة ناس تتكبّد كلفة وقود أكثر ارتفاعاً من أي شركة طيران أخرى في المنطقة، فهذا يزيد من الضغوط علينا لنرفع مستوى تنافسيتنا ونقدّم للعملاء المحليين خيارات ذكية تناسب إمكانياتهم".
تُعد العربية للطيران من أبرز منافسي ناس في السوق السعودية حيث تسيّر رحلات إلى الرياض، جدة، الدمام والمدينة المنورة. ولكن رغم أنها من أسرع خطوط الطيران نمواً في فئتها، فهي لم تفلت من التحديات الرهنة. وتأكيداً على ذلك، وفي لقاء حصري مع AMEinfo، أكّد عادل علي، الرئيس التنفيذي للمجموعة ضمن العربية للطيران: "كانت توقعاتنا للنمو في العام 2011 تفوق ما حققناه في العام 2010 من أرباح بلغت 310 مليون درهم إماراتي. فإن الوضع السياسي الراهن في المنطقة أثر على حركة المسافرين، مع تخوف الكثيرين من القيام بالرحلات الجوية في هذه الظروف". وأضاف قائلاً: "المشلكة الأكبر أتت من ارتفاع أسعار النفط التي أثرت على أسعار الوقود، ما انعكس بدوره سلباً على قطاع الاتصالات عموماً، وبصورة خاصة على قطاع الطيران. ونرى أنه إلى أن تستقر الأوضاع وتعود الأمور إلى طبيعتها، فالنصف الأول من العام الحالي سيكون محفوفاً بالتحديات".
وحول كيفية مواجهة هذه التحديات، علّق أحد المسؤلين في طيران العربية " تتمتع العربية للطيران بالديناميكية والمرونة التي تسمح لها بالتعامل مع الأوضاع الراهنة، من تغيير في الخطوط وأسلوب التغشيل بسرعة فائقة. وقد عملت العربية للطيران منذ العام 2009 على إيجاد مخزون للنفط مكّنها لغاية الآن من تغطية جزء من حاجاتها النفطية. ويكمن الحلّ الآخر في الحدّ من عدد المقاعد على بعض الخطوط إلى الوجهات ذات الإقبال المحدود".
ضرورة تعزيز البنى التحتية ووضع تشريعات أكثر مرونة للحدّ من هيمنة الشركات المدعومة من الدولة
في كلمة لأحد خبراء قطاع النقل الجوي خلال ملتقى Aviation Outlook MENA المنعقد في مارس 2011 في دبي، على أهمية رفع الهيمنة التي تتمتع بها شركات الطيران الوطنية على قطاع الطيران في المنطقة، وإلى ضرورة إيجاد بنى تحتية ملائمة مثل مباني المطارات الخاصة بخطوط الطيران منخفضة التكلفة.
ولا يغفل سايمون ستيوارت عن لفت الانتباه إلى ضرورة اعتماد أنظمة أكثر مرونة داخل السوق السعودية قائلاً: "صحيح أن السوق السعودية تشهد نمواً سريعاً من حيث حركة الطيران الجوية الخارجة والوافدة. وإن الطيران محدود الكلفة يغطي 7% من الطاقة التشغيلية في المنطقة، ويُتوقع أن تنمو حصته بنسبة 2 إلى 3% لغاية العام 2015.
إلا أن البيئة التشغيلية العامة مليئة بالصعوبات، فإلى جانب ارتفاع أسعار الوقود، يأتي تثبيت أسعار الرحلات الداخلية إلى سقف معين، وهيمنة بعض مزودي الخدمات في هذا المجال ليجعل من السوق الداخلية سوقاً خاسرة بالنسبة إلى طيران ناس الذي بات يركز بشكل أساسي على الرياض، جدّة، الدمام، جيزان والمدينة المنورة. وإن خبزنا اليومي يأتي من الرحلات الخارجية التي تشكل المصدر الأساسي للنمو. ويضيف سايمون ستيوارت: نأمل أن يتمّ إلغاء هذه القيود التي تحدّ من التنافسية، كي نعاود النمو في السوق الداخلية".
كانت شركتا سما وناس قد انسحبتا من بعض الوجهات الداخلية الإلزامية التي تشهد حركة ركاب محدودة تحت وقع هذه القيود التشغيلية. وقد عجزت الخطوط الجوية السعودية عن الحلول مكانهما لسدّ العجز في تغطية هذه الوجهات. ما دفع مجلس الشورى السعودي إلى التقدّم باقتراح لفتح السوق الداخلية على شركات الطيران الخليجية. وعلّق ستيورات قائلاً: "لطالما اتسم قطاع الطيران بالديناميكية، ونحن نرحّب بالمنافسين الجديد، لأن المنافسة السليمة تشكل حافزاً لزيادة فعالية أسلوبنا الإداري.
فالبيئة التنظيمية الحالية في السعودية لا تستقطب الشركات الجديدة إلى السوق، إلا أن القرار الجديد قد يرفع القيود المتعلقة بتثبيت أسعار الرحلات، ما من شأنه أن يدعم المنافسة السليمة. لكن مشلكة البنية التحتية تبقى عائقاً أساسياً، خصوصاً في عزّ موسم النشاط التجاري. فالبنى التحتية في جدة والمدينة المنورة قد بلغت قمة قدرتها التشغيلية منذ فترة طويلة، ونحن بحاجة ماسة إلى زيادة هذه القدرة".
الأسواق البديلة في آسيا
أمام انحسار حركة المسافرين إلى وجهات عديدة في تونس، المغرب، البحرين، عمان، ليبيا وغيرها في ظلّ الأوضاع الراهنة، كان لا بد لشركات الطيران من التحول إلى أسواق بديلة لاسيما في آسيا لاسيما تركيا نظراً للعلاقات التجارية والثقافية الوثيقة بينها وبين البلدان العربية. كما تبدو شركات الطيران واثقة من قدرة التعافي السريع لدى السوق المصرية.
وحدّث سايمون ستيوارت قائلاً: "تستمر شركة ناس للطيران بتوسيع نطاق أعمالها بالرغم من الاضطرابات الإقليمية. فلقد قمنا بافتتاح وجهات جديدة إلى مدينة سوهاج المصرية في يناير، واسطنبول (مطار صبيحة)، أَضنه وإنطاكيا في تركيا الشهر الماضي. ونحن على ثقة بقدرتنا على إطلاق وجهات جديدة في الباكستان في العام الجاري، وبخاصة إلى كاراتشي، بعد حصولنا للتو على حقوق النقل الجوي".
كما شرح المسؤلين عن العربية للطيران: "لا أحد يتمنى وقوع ظروف صعبة. ولكن هذه الظروف توجد أسواقاً أخرى لا بد من التركيز عليها". وتنوي العربية للطيران قريباً إطلاق رحلات إلى العراق . وتعليقاً على نمو قطر كوجهة أعمال بارزة في المنطقة، صرح المسؤلين عن العربية للطيران: "قطر سوق واعدة، وقد ضاعفت العربية للطيران رحلاتها إلى الدوحة إلى رحلتين يوميتين. ونتمنى أن نزيد رحلاتنا إليها في المستقبل، مع تكثيف الأعمال في البلاد من مشاريع للبنى التحتية وغيره تحضيراً لكأس العالم FIFA 2022".