أعلى

 

مشى مفتشو البناء وضباط الشرطة بين صف صغير من المنازل المترابطة داخل مدينة سان غابرييل، وكانوا يشعرون بأن ثمة شيئا يمضي بصورة خاطئة. اشتكى بعض الجيران من وجود ضوضاء وتردد كثير من النساء الحوامل. وعندما دخلوا إلى أحد المطابخ، رأوا صفا من أسرة الأطفال الصغار بها أطفال رضع، وكانت هناك امرأة تبدو مثل جليسة أطفال تروح بينهم.


يقول مسؤولون إنه منذ أشهر تحول المنزل إلى بيت لـ«سياح أمهات»، وفي هذه الحالة، نساء من الصين دفعن عشرات الآلاف من الدولارات من أجل وضع أطفالهن داخل الولايات المتحدة، وهو ما يجعل الأطفال المولودين تلقائيا مواطنين أميركيين. وقام المسؤولون بإغلاق المنزل، وأرسلوا الأمهات العشر اللائي كن يعشن هناك مع أطفالهن الصغار إلى فنادق تقع في الجوار.

 

ويقول كلايتون إندرسون، وهو مفتش داخل المدينة قام بإغلاق المنزل في التاسع من مارس (آذار): «لم يكن هؤلاء نساء يعشن في ظروف سيئة، فقد كان المكان نظيفا ويحظى برعاية جيدة، ولكن كانت هناك كثير من النساء والأطفال. لم أر من قبل شيئا مثل هذا. في الواقع لم نستطع تحديد عدد الأفراد الذين يعيشون هناك بالضبط».

 

يُشار إلى أنه على مدار العام الماضي انتشر الجدل بشأن حق الحصول على المواطنة بالميلاد في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، ودعت بعض القيادات السياسية إلى إنهاء العمل بالتعديل الرابع عشر في الدستور الأميركي، والذي يمنح مواطنة تلقائية لأي طفل يولد داخل الولايات المتحدة. وتركز مقدار كبير من النقاش حول المهاجرين الذين يدخلون إلى الولايات المتحدة بصورة غير قانونية قادمين من دول فقيرة داخل أميركا اللاتينية. ولكن في هذه الحالة كانت النساء ثريات نسبيا، كما كان دخولهن إلى الولايات المتحدة بصورة قانونية باستخدام تأشيرات سياحية. ويقول مسؤولون إن معظمهن عدن إلى الصين بالفعل ومعهن أطفالهن الصغار الأميركيون.

 

ويقول خبراء في شؤون الهجرة إنه من المستحيل معرفة، على وجه التحديد، مدى انتشار «سياحة الأمهات» داخل الولايات المتحدة. وتقوم شركات داخل الصين والمكسيك وكوريا الجنوبية بالترويج لحزم سفر يتم خلالها ترتيب الأطباء والتأمين ورعاية ما بعد الولادة مباشرة.

 

ويقوم فندق مرمرة، الذي يملكه تركي، والكائن في «آبر إيست سايد» بمدينة نيويورك، بالترويج لعروض «إقامة للأطفال الصغار» على مدار شهر، ويكون مع هذه العروض عربة أطفال.

 

ولكن خلال الجزء الأكبر يشارك في هذه العملية بعض الأفراد. ويثير اكتشاف منشأة كبيرة هنا عند التل السفحي بسان غابرييل تساؤلات عما إذا كانت هذه ظاهرة نادرة أم تحمل مؤشرا يظهر أن سياحة الأمهات تدخل إلى مرحلة جديدة لتحمل طابعا مؤسسيا بدرجة أكبر؛ حيث تعمل كثير من المنشآت الشبيهة بالمستشفيات في مختلف أنحاء الدولة.

 

وتنتشر المنازل بمدينة سان غابرييل في شارع صغير تظهر فيه منازل متواضعة وأبنية بداخلها شقق صغيرة وأشجار النخيل. وكان هناك طاقم بناء يعمل في وقت متأخر من الأسبوع الماضي، ويرمم حوائط تهدمت بين الوحدات، في انتهاك لقانون الإسكان.

 

وكانت تظهر في كل مكان علامات تشير إلى أنه منزل أمومة مؤقت. وفي أحد المطابخ، كانت هناك صور كثيرة تظهر فيها أم تمسك بطفل رضيع عمره أيام وتجلس إلى جوار عدد من الآنية التي تحتوي على وصفات طبية. وفي صورة أخرى، كانت علب فيتامينات لفترة ما قبل الولادة في أوعية طهي الأرز. وكانت هناك أرقام على عدد من أبواب غرف النوم، وزودت بعض الغرف بأسباب الترف. وعلى سبيل المثال كان داخل «بي 9» دولاب كبير وبانيو وثلاجة صغيرة شخصية.

 

ويقدر مركز إحصاءات الرعاية الصحية أنه كان هناك 7462 مولودا لمقيمين أجانب داخل الولايات المتحدة خلال عام 2008، وهو آخر عام تتوافر له إحصاءات. وتعد هذه نسبة صغيرة من قرابة 4.3 مليون مولود خلال ذلك العام.

 

ويقول خبراء في الهجرة إنهم يستطيعون تخمين لماذا تأتي النساء الصينيات الثريات ويحدوهن حماس كبير من أجل الحصول على تأشيرات أميركية لأطفالهن، ولكنهن يؤكدن أن ذلك نوع من التأمين حال احتجن الانتقال. وسيكون الأطفال، بمجرد أن يبلغوا من العمر 21 عاما، قادرين على تقديم طلب لأن يحصل آباؤهم على مواطنة أميركية.

 

وتقول إنجيلا ماريا كيلي، نائبة الرئيس المختصة بسياسات الهجرة في مركز التقدم الأميركي، وهي مؤسسة بحثية تميل إلى الليبرالية، إن وجود الشركات التي تساعد النساء الأجانب على وضع أطفالهن داخل الولايات المتحدة بدأ يدخل إلى حيز اهتمام الضمير العام. وقالت كيلي: «إذا كان ذلك شيئا منتشرا بالفعل ويحدث في مختلف أنحاء العالم، فمن المتوقع أن يكشف عن نفسه». وأضافت: «أعتقد أن الأمر يستحق قدرا أكبر من الدراسة والاهتمام. ولكن الدعوة إلى تغيير الدستور بسبب ذلك تبدو مثل قتل ذبابة باستخدام رشاش».

 

ولا يسمح لوزارة الخارجية، التي تعطي التأشيرات السياحية، أن ترفض طلبات الحصول على تأشيرة، لأن المرأة صاحبة الطلب حامل. ويقول مارك كريكوريان، المدير التنفيذي لمركز دراسات الهجرة الذي يدعو إلى فرض قيود أشد على الهجرة: «لا يقوم هؤلاء بأي شيء مخالف للقوانين المتبعة داخل الولايات المتحدة. ولكن أكثر من ذلك أنه غير قانوني، وهو أن يضع مهاجرون أطفالهم هنا. هؤلاء الأطفال يقيمون علاقات كأميركيين. وتعد ظاهرة القدوم إلى الولايات المتحدة وبعد ذلك الرحيل بأشخاص لديهم قدرة غير مقيدة على العودة شيئا مثيرا للسخرية».

 

وتشهد سان غابرييل، التي تقع على بعد 20 ميلا شرق لوس أنجليس، نموا بصورة متسارعة خلال الأعوام الأخيرة، وتعد الآن مركزا للشركات التي تقدم خدمات إلى مهاجرين آسيويين. وتنتشر المقاهي في المراكز التجارية وتوجد إعلانات بيع مكتوبة باللغة الصينية والفيتنامية أمام كثير من المنازل.

 

ويقول إندرسون إن ثمة وجودا قويا في هذه الضاحية لفئة «شبه مؤقتة». وليس غريبا لمقر إقامة واحد أن يكون به ما يصل إلى 40 شخصا. ولكن كما هو الحال في مدن أخرى، غالبا ما يكون السكان من الرجال، ويعملون في الأعم بهدف تحويل الأموال إلى عائلاتهم بأرض الوطن.

 

وقد وجه مسؤولو المدينة أسئلة أساسية إلى النساء اللاتي وجدنهن في منزل الأمومة: كيف جاءوا إلى هنا؟ ومَن دفع مقابل مجيئهم؟ وكانت الإجابة: «من خلال تأشيرة سياحية، وعائلتنا هي التي تولت دفع التكاليف». وقد دفع صاحب المنزل دوايت تشانغ غرامة قدرها 800 دولار بسبب انتهاك القانون. ولم يرد تشانغ على كثير من المكالمات الهاتفية، وقال عامل في المبنى إنه يسافر وغير متاح حاليا.

 

وتقول جنيفر دافيس، مديرة التنمية المجتمعية داخل المدينة: «لم نجر مقابلة مطولة مع النساء، ولكن هذه ليست مهمتهن ولا يجب أن تكون كذلك». وقد قامت المدينة بالفعل بإخطار مسؤولي الصحة العامة الذين لم يجدوا أي شيء خطأ مع الأطفال، بحسب ما قالت.

 

وقالت دافيس إن مسؤولي المدينة أخطروا أيضا سلطات الهجرة. وتقول فرجينيا كيس، المتحدثة باسم هيئة تطبيق القوانين الخاصة بالجمارك والهجرة، إن الهيئة حققت في موقف مماثل داخل مدينة أخرى بجنوب كاليفورنيا العام الماضي، ولكن لم تكن ثمة أدلة على وجود انتهاكات لقوانين فيدرالية. وقد رفضت أن تقول ما إذا كان مسؤولون فيدراليون قد حققوا في عملية سان غابرييل، وبررت ذلك بسياسات الهيئة.

 

وقالت يولاندا ألفارز، التي تمشي مع كلبها مارة بالمنازل داخل المدينة مرتين يوميا، إن بعض الجيران ظلوا يتبادلون الشكوى بينهم لقرابة عام، بعد أن لاحظوا «الكثير والكثير من النساء الشابات» يترددن على هذا المنزل. وكانت هناك صور كثيرة لمربيات إلى جانب أمهات جدد على الطاولات في يوم جمعة قريب. وكان هناك قالب قرميد له إطار تتراكم عليه الأتربة وسط البناء، وكتب عليه: «في هذا المنزل تبدأ قصتك».