أعلى

 

دأبت الصحافة على مدى السنوات القليلة الماضية على تداول العديد من المصطلحات الجديدة، التي لم تشغل الرأي العام من قبل، أو على الأقل ليس بذات الدرجة من الأهمية المتنامية الذي يشغلها هذا الأمر حالياً، وذلك في خضم عالم متسارع تسوده الروابط الرقمية والعلاقات الالكترونية الذكية. نمط الحياة العصرية، أو نمط الحياة الصحية، بل حتى نمط الحياة الخضراء، جميعها مصطلحات تصب في ذات القالب والمعنى، وتثير في أذهاننا سؤالاً بديهياً ومصيرياً على حد سواء، ما الذي يدفعنا لإتباع نمط حياة تتربع فيه الصحة على عرش الأولويات؟ وهل يكفينا تغيير عاداتنا وسلوكنا وأنشطتنا اليومية، التي  نحرص بشدة على متابعتها، كممارسة رياضة اليوغا وجلسات التأمل، وشرب العصائر الطبيعية الطازجة، وارتياد المطاعم التي تقدم وجبات صحية ذات منشأ عضوي، لتغطية متطلبات نمط الحياة الصحية!

 

فعلى الصعيد الاقتصادي، هناك العديد من المؤشرات التي تصنّف موجة المنتجات الصحية السائدة من بين أقوى الصناعات الصاعدة حالياً، فقد وصل معدل نموها إلى 20% سنوياً، وجنت إيرادات بلغت 73 مليار دولار خلال العام 2012م. مما سبق، نجد أن هناك وعي إيجابي ومتنامي حول حجم المسؤولية التي تقع على عاتقنا تجاه الحفاظ على نمط حياتنا، وأسلوب معيشتنا، و وضعنا الصحي بشكل عام، مع الحد قد الإمكان من اتكالنا على الأطباء وكادر الرعاية الصحية، فجميعنا يدرك أن المرض لا يصيبنا فجأة، لأن وراءه الكثير من الأسباب التي تؤدي للإصابة به في حال لم نعالجها.

 

shutterstock_125319602 ولا يزال هذا التوجه الإيجابي بانتهاج نمط حياة صحي متكامل يكتسب زخماً إعلامياً واجتماعياً متسارعاً، وهو ما يدفعنا للوقوف والتفكر في صياغة تعريف موحد لهذه الظاهرة، التي سعت لرسم معالمها الكثير من المؤسسات والهيئات الصحية العالمية، ومنها “معهد الصحة الوطني” في أستراليا، الذي شرح الخطوط العريضة لهذا التوجه على الشكل التالي: “الصحة أو العافية هي عملية تفاعلية يعي من خلالها المرء ضرورة اتخاذه لخيارات مصيرية تنعكس بالنتيجة على راحة ورفاهية حياته، ولا توجد حادثة أو وقت معين مناسب للبدء بهذا المسار، كما أنه لا توجد مرحلة يستحيل من بعدها تطبيق هذه العملية، فطبيعتنا البشرية تدفعنا باستمرار للبحث عن شتى المعلومات التي بإمكانها تحسين مستوى معيشتنا”.

 

ومن هنا نرى بأن سعي المرء للتمتع بالصحة أو العافية لا ينحصر فقط بأساليب وطرق الوقاية من الأمراض، ولكنه يرتبط بشكل جوهري بالسعي المستمر لتحقيق مستوى أعلى من الرفاهية في كافة المجالات، وهو ما تطرقت إليه “منظمة الصحة العالمية” خلال تعريفها لمصطلح الصحة بقولها: “الصحة هي حالة توافقية تجمع ما بين الرفاهية الجسدية والعقلية والاجتماعية المتوازنة، ولا تقتصر فقط على حالة عدم الإصابة بالأمراض والعلل”. كما أن الصحة ترتكز بشكل رئيسي على مستوى إدراكنا الكبير ونظرتنا العميقة تجاه أجسادنا، وعدم تعاملنا معها باعتبارها آلات محركة لنا، بل علينا التفاعل معها على عدة مستويات لكونها تؤثر بدرجة كبيرة على استقرار حالتنا العقلية. وهذا هو السبب الجوهري وراء انتشار شعبية مفهوم الدواء المكمل أو البديل يوماً بعد يوم، بحيث أضحى يلعب دوراً حيوياً في موجة الحفاظ على الصحة السائدة على مستوى العالم في عصرنا الحالي. وبالإضافة إلى ما سبق، فإن الصحة هي التوأم الشقيق للسعادة، فنمط الحياة الصحي المتكامل هو المرادف لأسلوب الحياة السعيدة، وهو ما أشار إليه الأديب والفيلسوف الفرنسي الشهير فولتير حينما قال: “لقد قررت أن أصبح سعيداً، لأنني أود الحفاظ على صحتي”.

 

بالنتيجة، ما نجح بتطبيقه فولتير قبل 300 عام سننجح بتطبيقه في يومنا هذا، فقط من خلال اختيار كل ما يعود بالفائدة والصحة علينا، وهو ما سيغير الكثير من عاداتنا وسلوكنا نحو الأفضل، حيث بإمكاننا إتباع حمية غذائية صحية مناسبة، واختيار برنامج اللياقة البدنية المتوافق مع متطلبات أجسامنا، فضلاً عن أننا نملك حرية النظر والتفكير بأنفسنا بالطريقة التي نرغب ونتمنى، وهو ما يفتح الباب واسعاً أمامنا لخوض تجربة نمط الحياة الصحية أثناء قضاء عطلاتنا وإجازاتنا.

 

وعليه، عندما نتوجه لقضاء عطلة بداعي الراحة والنقاهة، فإننا لن نقضي وقتاً ممتعاً ونحظى بكافة وسائل الراحة والرفاهية فحسب، بل ستتاح لنا فرصة الالتحاق بالعديد من البرامج الصحية الجسدية والعقلية، المصممة على أيدي خبراء مختصين في مجال تحسين وتعزيز أنماط الحياة الصحية، ونذكر منها على سبيل المثال الاستشارات الشخصية، والاستشارات الاجتماعية، والتدريب على انتهاج أنماط الحياة، وبرامج اللياقة البدنية، وأساليب التغذية الصحية، وجلسات العلاج الشمولية، والعيش بكنف بيئات مريحة وهادئة، والحفاظ على الطبيعة ومواردها.

 

shutterstock_62509888 أما تجربة الاستيقاظ في محيط تسوده أجواء الصحة والعافية، وتحفه لمسات الرفاهية الكاملة على وقع أصداء الطبيعة الخلابة، بهدوئها وسكينتها، فيقدمها لنا فندق “أناندا” القابع بين أحضان جبال الهمالايا في الهند، المطل على مناظر ساحرة تكاد تكون من الخيال، والذي يوفر كافة الخدمات والمرافق المصممة وفق مناهج وقواعد صحية عالمية وعالية المستوى، كما أنه يقدم برامج إقامة شاملة ومتكاملة، تبدأ منذ الصباح الباكر بتناول كوب من الشاي الساخن بالزنجبيل وشرائح الليمون الطازج، أثناء التمتع بمشاهدة جمال الحدائق الغناء، التي يحلق عبير أزهارها على أجنحة النسائم المنعشة، ليسابق أشعة الشمس الأولى التي تتسلق أعلى قمم جبال الهمالايا، على طرق نوافذ غرف الفندق، ودغدغة أحلام النزلاء. وبعدها نتوجه للمشاركة في جلسة رائعة لممارسة رياضة اليوغا، تتبعها جلسة تأمل لتنقية الروح، ومن ثم تناول وجبة إفطار صحية ومتوازنة، محضرة في المطبخ الهندي الغني بالمكونات الطبيعية والطازجة، وذلك تحت أنظار وأعين طيور ومخلوقات الغابة، لأننا نجلس في كنف وأجواء الطبيعة بكل ما في الكلمة من معنى.

 

بعدها ستنطلق جلسات العلاج والاستجمام الفاخرة على طريقة الطب الهندي التقليدي “الأيروفيديك” على امتداد اليوم، تتخللها فترات قيلولة واسترخاء هادئة في محيط حوض السباحة المنعش، بمياهه المتلألئة تحت سقف السماء الصافية. ومع قدوم المساء، تُشع الجلسات الحوارية الثقافية التي تتطرق إلى فلسفة علوم “الفينداتا”، على أثير المشهد الساحر لغروب الشمس خلف الجبال الشاهقة، ضمن أجواء تتميز بالرفاهية والراحة والصحة، بفضل لمسة الطبيعة الشافية. لاشك بأن قضاء مثل هذه العطلات سينعكس بشكل إيجابي على حياة المرء، كما أنه سيُحدث تغييرات جوهرية في سلوكه وعاداته، ولكن أفضل ما في هذه الرحلة أنها ستعزز من نمط حياة المرء الصحية دون انقطاع أو توقف. وعلاوةً على ذلك، تجسد هذه التجربة بحق مفهوم عطلات النقاهة والاستجمام الصحي، أو بالأحرى تؤكد على مصطلح “فنادق النقاهة والعلاج حول العالم”، الذي خرج إلى العلن ليواكب موجة أنماط الحياة الصحية المتنامية في عصرنا الراهن.

المرجع: مقالة للكاتبة آن بيغينغ، المؤسسة والرئيسة التنفيذية للمؤسسة العالمية “هيلينغ هوتيلز أف ذا وورلد”، التي تحظى بأكثر من 85 شريكاً من الفنادق والمنتجعات والسبا (المنتجعات الصحية)، التي تقدم خدمات ومرافق صحية برفاهية فاخرة في جميع أنحاء العالم.