أعلى

 

أزمير (تركيا) - علي العلاس:  سر فيها من الشرق إلى الغرب تمرُ بهيكل إثر هيكل، ومن تل إثر تل، مُخترقاً شارعاً أجمل من اسمه»... هكذا وصف المؤرخ اليوناني إيليوس، إزمير التركية أو «سميرناه»، كما كان يسميها اليونانيون قديماً. تلك المدينة التي تتوج بصفات الجمال على لسان كل زائر يحط على أرضها ويشرب من مائها ويستنشق هواءها ما جعلها تستحق وصف حسناء بحر إيجه. أزمير مدينة هادئة نهاراً والحالمة ليلاً يأسرك جمال شواطئها الذي يحدها من على مرتفعات الجبال أشجار الزيتون والصنوبر، تجمع حضارات الماضي مع الحاضر وتعد ملتقى الثقافات والفنون والغناء والفلكلور والتراث، هي مقصد للراحة والجمال والمتعة والمحبة والتقارب بين الشعوب. ربما ما كتب وما قيل في حق هذه المدينة من جمال وبهاء لا يفيها حقها، فالزيارة التي نظمتها لنا شركة الخطوط الجوية التركية لهذه المدينة التي يكسوها عبق التاريخ جعلتنا نغوص في تاريخها الزاخر

 

وحاضرها الواعد، فالعاشق للتاريخ والجغرافيا سيجد في إزمير مبتغاه، وكذلك الباحث عن الراحة والسكون سيجد في أحضان طبيعتها مقصده، النسيم العليل والشواطئ الجميلة والحمامات الدافئة في مدنها المترامية على ضفاف بحر إيجة كفيلة بأن تشعرك بأنك ملك زمانك، تستل ليلاً من شعاع مصابيحها التي تعكسها صفحة شواطئ إيجة أحاديث ذكريات دولة الخلافة وإنجازات أتاتورك واستعادته لهذه المقاطعة من سيطرة اليونانيين. الحديث عن الأماكن التي زرناها في إزمير لا يمكن للنسيان التسلل إلى ذاكرتنا، فهي ستظل محفورة وحاضرة دوما نتذكر مناطقها وفنادقها ومقاهيها لنقول كما قال الشاعر نزار قباني «علمني حبك كيف أحبك في كل الأشياء، في الجو الماطر في أصغر مقهى نشرب فيه مساء، علمني حبك أن أوي لفنادق ليس لها سماء».

 

منطقة جشمي

للباحث عن أحضان الطبيعة ومغامرات ركوب الأمواج لابد أن يزور هذه المنطقة التي تبعد عن قلب أزمير قرابة الساعة، ولهذه المدينة التي تقع على الساحل الغربي لبحر إيجه في مقاطعة إزمير مكانة عالية لدى الأتراك والسياح الأجانب وهي معروفة جيداً لمحبي ركوب الأمواج والتزلج الشراعي الذي توفره مياهها الجميلة، هواؤها وبيوتها القديمة ومدرجات شجر الزيتون التي يلفها من كل جنب، بلدة يملؤها السحر ويسكنها التاريخ، تسترخي فيها على شواطئ الشمس الذهبية.

 

ألاتشاتي

ألاتشاتي... وما أدراك ما الاتشاتي تلك البلدة التابعة لمدينة جشمه، يسير زائرها بين أزقتها وفنادقها المميزة ومطاعمها المتراصة في شكل جلسات خارجية على الطرقات يستمتع بجمال الفن المعماري اليوناني البسيط الذي تتشكل منه بيوتها الحجرية القديمة التي يعود تاريخها لأكثر من قرن. في ألاتشاتي، تلك البلدة ذات الطواحين الهوائية التي تعود لأكثر من 150 سنة، دون غيرها تجد دار عبادة واحدة يقتسمها مسلمو ومسيحيو البلدة «مسجد السوق»، الكل يؤدي عباداته وطقوسه في جو من الآلفة والتفاهم.

 

البازر

وانت تسير من زقاق إلى آخر في السوق القديم «بازار أزمير» المشهور بقباب متاجره العتيقة تستحضر عظمة الخلافة العثمانية، وما وصلت إليه من فنون العمارة، هذا السوق الذي يجذب السائحين إليه بدأ عمله في التجارة العام 1650 ولا يزال يضخ بالمتسوقين منذ ذلك الحين حتى اليوم، تعرض متاجره الملابس والمنسوجات والمصنوعات اليدوية والمجوهرات التي تعكس إتقان وفن الحرف اليدوية التركية، كما يحوي أيضا الكثير من المقاهي ودور السينما وبعض المحلات التجارية الحديثة، فعلى وقع الأغاني التركية الفلكلورية تتذوق طعم الأكلات التركية التي تقدمها المطاعم الموجودة في هذا البازر الأثري لتخرج رابحاً من زيارة هذا المكان الذي يجمع بين التسوق والأكل والاستماع لفرق الأغاني التي تشدو من حولك وأنت تتناول الشاي في مقاهي البازر.

 

برج الساعة

يوجد هذا البرج وسط مدينة كوناك العاصمة وتحديداً قبل دخول السوق، وربما بعد الانتهاء من التسوق، ويقع هذا البرج في وسط ساحة كوناك الشهيرة التي تشكل مركز المدينة ويضم معالم عدة أبرزها تمثال الصحافي حسن تحسين مطلق الرصاصة الأولى في حرب التحرير، والذي ينتصب أمام مبنى البلدية وإلى يساره مسجد يالي ويجاوره مقر الوالي. ولعل أهم ما تحتويه هذه الساحة الصغيرة هو «برج الساعة» الذي شيد العام 1901 احتفالاً باليوبيل الفضي لتسلم السلطان عبدالحميد الثاني مقاليد العرش، حيث أصبح هذا البرج لاحقاً رمزاً رسمياً للمدينة.

 

منتدى بورنوفا

استمتع بالتسوق في منتدى بورنوفا الذي يعد أول مركز للتسوق في الهواء الطلق بمساحة 62000 متر مربع، تم تصميمه بشكل مفتوح ليعكس لمسة الهندسة المعمارية لبحر إيجه والبحر المتوسط بما يساعد زائريه على الاسترخاء والاستمتاع بمناظر البرك الصغيرة وقطع الفسيفساء التي تزين جدران محلاته التجارية التي تعكس لون السماء الصافي. افتتح المنتدى في العام 2006 ولاقى نجاحاً منقطع النظير منذ ذلك الحين، حيث تم اختياره في 2008 ليكون واحداً من أفضل مراكز التسوق في أوروبا.

 

الاصانصور

‏‫ لا يمكن لزائر إزمير أن يغادر أسوارها قبل أن يزور موقعاً شديد الرمزية والخصوصية إنه «الأصانصور» وهو الاسم الذي يطلقه الأتراك على المصعد الواقع في حارة اليهود.وشهرة هذا الموقع تعود لقصة بنائه الطريفة والعميقة في معانيها، إذ إن قاطني الحارات العلوية في المنطقة القريبة من الميناء كانوا يضطرون لصعود نحو 200 درجة للوصول إلى مقصدهم، ولما تعثر أحد كبار السن خلال رحلة الصعود هذه وكسرت ساقه، قرر جاره وهو أحد المصرفيين الكبار في المدينة ويدعى نسيم ليفي إقامة مصعد يختصر على جاره وباقي السكان هذه الدرجات العالية وكان ذلك العام 1907. وكان يعمل سابقاً على البخار قبل أن يتحول إلى الكهرباء، وقد استملكته بلدية المدينة وتحول إلى وقف يخدم السكان مجاناً. ولا تقتصر ميزة هذا «الاصانصور» على قصته، بل على المناظر الخلابة التي يمكن أن يشاهدها المرء عندما يصعد إلى الأعلى، كما بإمكانه الاستراحة في المقهى المجاور المخصص ريعه لصيانة المصعد. بعد الاصانصور، وما بين محطة واخرى يمكن للزائر ان يستقل «عبارة» مائية تنقله الى الطرف المقابل من خليج أزمير، وليس هذا المشوار توفيراً للوقت فقط، بل هو فرصة للحصول على رؤية أخرى من البحر لمدينة أزمير والجبال الخضراء التي تحتضنها.

 

بيت مريم

تسير في طرق وعرة متعرجة تتوارى خلفها طبيعة أبدع من صورها لتصل في النهاية لقمة جبل العندليب في بلبل داغ الذي يحوي بيت العذراء مريم، حيث يعتقد أنها قضت فيه آخر سنوات عمرها قبل أن توافيها المنية، إذ يقال حسب الرواية المكتوبة بكل لغات العالم أن العذراء جاءت إلى هذا المكان في بلدة أفسس برفقة القديس يوحنا. وتعود قصة اكتشاف هذا البيت إلى العام 1951 إلى راهبة ألمانية تدعى كاثرين إيمريك التي تراءى لها مكانه، وبالفعل بدأت البعثات الاستكشافية تفد إلى هذا المكان وتجمع معلومات وتقارنها بما قصته إيمريك ليعثروا في النهاية على بقايا بيت مريم الذي تدمرت فيه أجزاء كبيرة بسبب الزلازل التي حدثت في تلك الفترة إلى أن قامت مؤسسة جورج كاتمان من ولاية أوهايو بتجديد منزل مريم العذراء الذي أصبح كنيسة صغيرة تستقطب العديد من المسيحيين فضلا عن المسلمين الذي يأتون طلبا لشفاعتها.

 

افسوس

تعد من أعظم المدن الإغريقية القديمة في الأناضول وتم إدراجها إلى قائمة مواقع التراث العالمي التابعة لليونسكو، وتقع في منطقة تاريخية غرب تركيا، وتستقطب عدداً كبيراً من السياح المحليين والأجانب إليه، وهي عبارة عن أسواق تجارية قديمة ومراكز ترفيهية وألعاب ومسرح ثقافي وهي تدل على أهميتها في تلك الحقبة. ‏‫وتضم أفسوس عدداً من المعالم الأثرية أبرزها كنيسة القديس يوحنا، التي بٌنيت في القرن السادس الميلادي في عهد الامبراطور قسطنطين الأول، على أنها مكان ضريح الرسول يوحنا. مكتبة سيلسس تم بناؤها سنة 125 قبل الميلاد، تضمنت 12000 مخطوطة. بناية المكتبة تقابل جهة الشرق مما وفر ضوءًا كافياً لغرف القراءة. «معبد أرطاميس» وهو أحد عجائب الدنيا السبع. الآن هو عبارة عن عمود واحد حيث قد تمت إزالة معظم أجزاء المعبد على يد البريطانيين، وتوجد بقايا الأعمال الفنية للمعبد في المتحف البريطاني.

 

بوظة شيرينجاه

حالفنى الحظ وزرنا شيرينجاه، حيث كان جدولنا في اليوم الثالث مزدحماً وكانت زيارتنا متوقفة على عامل الوقت الذي جاء في النهاية لصالحنا، فاسم القرية المشتق من صفة الجمال تقع على ربوة عالية تحيط بها أشجار الزيتون والكرز وتتراص فيها المقاهي ومحلات البوظة الفريدة في طعمها.

 

ميادين أتاتورك

ربما تكون السمة البارزة في هذه المدينة هي كثرة التماثيل الموجودة لمؤسس تركيا مصطفى أتاتورك، فلا يخلو شارع رئيسي أو ميدان كبير من وجود تمثال لمؤسس تركيا، وربما يخفى على الكثير أن والدة أتاتورك نشأت وترعرت في مدينة أزمير.

 

«سويس أوتيل غراند»... كرم الضيافة

للضيافة أصولها وللكرم أهله، فالضيافة والترحاب التي قوبل بها الوفد الكويتي في هذا الفندق الشهير تستحق الشكر والثناء، فهذا الفندق يقع في قلب مدينة أزمير التجارية ويتميز بحدائقه الفسيحة وإطلالته الرائعة على كوردون المباني المطلة على بحر إيجه. «سويس أوتيل» يضم مجموعة من من الغرف والأجنحة الخاصة برجال الأعمال ومراكز لرجال الأعمال يضم مجموعة من المطاعم الشهيرة التي تقدم وجبات غاية في الروعة، ولعل أبرزها مطعم أكواريوم الذي يمكن لزائره ان يتذوق أشهى الأكلات في أجواء ترفيهية مستوحاة من الثقافة اليونانية والبحر المتوسط، وأيضا مطعم إكينوكس الذي يتميز بإطلالته الرائعة على خليج أزمير ويقدم أشهى الأطباق العصرية من الأسماك واللحوم.

 

الخطوط الجوية التركية... طريقك إلى بلاد الجمال

الخطوط الجوية التركية تحكي قصة نجاح بأجنحة من ذهب، وهي حتماً لأفضليتها أوروبياً وعالمياً ستكون اختيارك للوصول إلى بلاد الجمال «الاندلس» فالخطوط التركية التي أنشئت في العام 1933 بأسطول مكون من خمس طائرات واصلت تطورها لتضم أسطولاً مكوناً من 309 طائرات، وبعدد وجهات سفر بلغت 285 وجهة حول العالم إلى 236 مطاراً دولياً و49 مطاراً محلياً. ووفقاً لمسح مؤسسة «سكاي تراكس» لعام 2015، فقد تم اختيار الخطوط الجوية التركية كأفضل شركة طيران في أوروبا للمرة الخامسة و«أفضل شركة طيران في جنوب أوروبا للمرة السابعة على التوالي، بعد أن فازت في العام 2010 بجائزة أفضل خدمة طعام على متن الدرجة السياحية، كما اختيرت في 2013 لتفوز عن فئة أفضل خدمة طعام على متن درجة رجال الأعمال، ولتواصل رحلتها مع النجاح لتفوز في 2014 بجائزة أفضل خدمة طعام على متن درجة رجال الأعمال للعام الثاني على التوالي، وجائزة أفضل خدمة طعام في صالة سفر درجة رجال الأعمال.


إزمير... في سطور

قام مصطفى كمال باستعادة إزمير في العام 1922، وقد اشتعلت النيران في أجزاء كبيرة من المدينة، وفرَّ معظم السكان اليونانيين منها. وبعد مرور عام صادقت السيادة التركية على معاهدة لوزين، بعد أن قامت كل من تركيا واليونان بالتوقيع على اتفاقية تبادل السكان على أساس ديني (المسيحيون لليونان والمسلمون لتركيا) حيث لم يتبق في المدينة أي يوناني، في المقابل بقيت أقلية من أتباع الكنيسة الأرمنيّة الأرثوذكسية.وكانت طائفة يهود إزمير إحدى الطوائف الكبيرة والمهمة في الدولة العثمانية، وبلغت ذروتها في القرن التاسع عشر، حيث قطِن المدينة ما يربو على 40 ألف يهودي، وقد سكن اليهود إزمير (سميرناه) في العصور القديمة حيث كان ذلك مذكوراً في العهد الجديد (الإنجيل)، ولكن لم يكن في المدينة أي حضور يذكر للطائفة في العهد البيزنطي، إلى أن قام العثمانيون باحتلال المدينة في العام 1424 بعد فترة استمرت مئتي عام. وفي بداية القرن السابع عشر، ومع ازدهار مدينة إزمير تجارياً، بدأت الطائفة اليهودية بالظهور في المدينة، حيث تمتعت باستقلال ذاتي وحرية دينية نسبياً، فأقامت منظمات تعليمية ومحاكم مستقلة، وعلى مر السنين، عمل أبناء الطائفة اليهودية في التجارة وفي مجالات الإنتاج المختلفة، وانخرطوا في مؤسسات السلطة، وفي 1657 تأسس في المدينة مطبعة عبرية، عمل بها مؤسسات حضارية عدة وتم نشر صحف يهودية في القرن التاسع عشر.