كيب تاون مدينة تجمع بين الاصالة والحداثة
إن أفضل الأوقات لرؤية مدينة كيب تاون هو في الصباح الباكر, حيث يمكنك التجول على رصيف الميناء أو قيادة السيارة إلى أحد الشواطئ القريبة أو زيارة بيوت الضواحي ذات الطراز الإنجليزي على التلال المنحدرة أمام جبال تابل المطلة على الميناء. من الملاحظ أن إطلالة مدينة كيب تاون ليست على أفريقيا فقط ، بل تشرف على مناظر الخلجان التابعة لها حيث يمتد منها النظر الى زرقة سماء ضبابية تفترش جنوب المحيط الأطلسي. من الملاحظ أن هذه المدينة تحظى بجمال متميز. فحتى بعد مرور أيام على وجودك فيها ستشعر مع صباح كل يوم جديد أنك قد وصلت للتو. لطالما كان القلق يراود كيب تاون في ما يخص مصير الرجل الأبيض في أفريقيا ، هذا الأبيض الذي يؤكد تاريخ هيمنته و وجوده على تماثيل النصب التذكارية لرجل أفريقيا الأبيض جون سيسل روديس ، فعلى سفح جبل فوق البحر من مدينة كيب تاون تقبع تماثيل لستة أسود جاثية على قوائمها بينما يتقدمها هيكل مجسم لرجل أبيض يمتطي حصانا و ينظر متطلعا الى ما وراء البحر و كأنه بذلك يؤكد نظرة روديس في أفكاره التي تؤيد أن وجود الرجل الأبيض و بالذات الإنجليزي في أي مكان من العالم يشكل فرقا كبيرا و اضافة نوعية ممتازة لهذا المكان و لمستقبله .
كما يعبّر التمثال أيضا عن رؤية روديس للإمبريالية الممتدة من كيب تاون إلى القاهرة من تلك الفترة. ولكنه اليوم ينظر من مكانه المرتفع ليشهد التوسع العمراني الشاسع للمناطق المقسمة في جنوب أفريقيا. قال لي صديق أسود يعمل محرر افلام “لا أشعر بأني في وطني كيب تاون, أستطيع أن أعيش هنا بين البيض لكني لا أشعر بالانتماء“. في العالم الحديث ليس للأبيض أهمية كبيرة كما في السابق و كذلك في كيب تاون التي تغيرت نظرة الناس السابقة لها من ناحية التمييز العنصري . لكن يساور الناس الشك في الحماس الظاهر لمدينة كيب تاون في ما يخص رياضة الركبي (نوع من رياضة كرة القدم) التي مازال الأفارقة الجنوبيين من البيض شديدوا الدفاع عنها كأقرانهم في أستراليا و مازالوا يتشبثون في كل ما يخص مدينتهم الفاتنة. و هذا ما أظهره الروائي المحلي (جي إم كوتزي) الحائز على جائزة نوبل الذي هاجر إلى استراليا مخلفا وراءه صورا غير مشرِّفة لانعدام الترابط بين الناس مما أدى إلى انعزال الجماعات ذات الأصول العرقية المختلفة. وقد لاقت رواية العار للكاتب كوتزي ردود فعل سلبية وتم انتقاده على النهاية المأساوية التي حلت بالبطل الأفريقي حين انتهى به المطاف منبوذا من كل أشكال الصداقة لا يملك سوى قتل الكلاب الضالة في المراعي الشاسعة. ولربما استطاع الفيلم الجديد للرواية أن يصلح الوضع بين مواطني كيب تاون والكاتب كوتزي.
عند تجولك في وسط مدينة كيب تاون لا تجد الكثير من الأفارقة السود والهنود والسلالات العرقية الأخرى المنحدرة من السكان الأصليين و المعروفين بلقب هوتنتوس, لانهم في الواقع أصبحوا قلة تشبه أقرانهم ممن تجدهم في أجزاء عديدة من مدينة لندن. وبالمقارنة مع جوهانسبرج تبقى كيب تاون مدينة طبقية تمارس التمييز العنصري ضد السود. ولتبقى آمنا عليك أن تحمي سيارتك بحراسة أمنية تعتمد على حراس أفريقيين يدفع لهم بالمقابل. ولا زال الأفارقة السود هم المعنيون بالمهن الوضيعة في المدينة. إلا أن كيب تاون قد تغيرت إلى الأفضل منذ انتهاء سياسة التمييز العنصري بينما تبدو جوهانسبرج موطنا رئيسيا لثقافة الأفارقة السود و أن حلم نيلسون مندلا بأمة قوس قزح (متدرجة الألوان) قد تحققت بصورة مرئية في كيب تاون. عندما جئت إلى هنا منذ سنوات قليلة للبحث عن فيلم وثائقي تبين لي أن هناك كياسة ظاهرة في الحديث تعيق الحوار الصادق بين الفصائل العرقية. ولكنني الأن ألمس اعتدلا أكثر وصداقة أكبر في التحاور بينهم. آمل أن أكون على حق لأن مكانا عظيما كهذا قد بُني لمستقبل زاخر وليس كما كان في الماضي أسيرا لثقافة البيض فقط. قم برحلة على القارب إلى جزيرة روبن حيث السجن الذي أودع فيه مندلا ورفاقه. إن المرشدين السياحيين هم نزلاء سابقون وسيأخذونك لرؤية الزنزانات المرتبة ومساكن الحراس والأوراق المهرّبة. وما أن تصل الى ما وراء الصخور ستجد المدينة من خلفك والبحر ممتد من أمامك و طيور البحر تهيم في مجموعات من فوقه, تخيل في تلك اللحظة كيف لمندلا ورفاقه من نزلاء السجن أن يتوقعوا سيادتهم على هذا البلد في يوم ما . وتظل جنوب أفريقيا مكانا مثيرا للاهتمام لأنها عظيمة وفي تطور مستمر لا أحد في أفريقيا كلها يستطيع أن يتنبأ بمستقبلها القادم.
أبجدية الزيارة
يبدأ الجميع عادة – وربما أنتم – بركوب عربات التلفريك على جبال تابل التي يصطف عدد كبير و مزدحم من الناس منتظرين دورهم للصعود على متنها . لا داعي للقلق ، لأنك لن تشعر بالضجر من الإنتظار ، فمنظر كيب تاون من الأعلى سيضمن لك تمضية وقت رائع في مشاهدة جميع أطرافها . يمكن أن تستهلّ رحلتك بإقامة مريحة في فندق ماونت نيلسون هوتل حيث يُقدم الشاي في أجواء مريحة داخل قاعة الإنتظار أو على ساحات خضراء مزروعة و ملفتة للنظر. و تتوفر أيضا رحلات بقوارب مميزة بديكوراتها الانيقة تنطلق من جانب الفندق. إن بيئة الاستعمار الكولوني الرجعي الخانق ملموس للغاية ، وهو الشعور السائد في أيام الرفاهية و السيطرة لنظرية ( من كيب تاون إلى القاهرة) ،و تنعكس هذه الحقيقة في طريقة العيش التي أحبها البيض في جنوب أفريقيا. تتراوح الأماكن التي يمكن الإقامة فيها من الجيدة إلى المتوسطة، بما في ذلك فندق باي في كامبز باي, الذي يبعد عن الشاطئ 20 مترا, وإمباسادور هوتل في بانتري باي. وقد اخترت مرارا الذهاب إلى منطقة واتركانت حيث تتوفر فيها الإقامة المريحة في بيوت من طابقين من طراز القرن الثامن عشر و التي تتميز بتوفر خدم لتلبية احتياجات النزلاء. إن هذا الجزء من المدينة مبهج ويطل على الميناء، ففيه يمكنكم تناول وجبة الإفطار تحت أشعة الشمس في أحد المقاهي الراقية و الواقعة على شارع نابير.
تقدم كيب تاون أطباقها تحديدا من الطعام الأمريكي. وللحصول على أجود المأكولات مع المكونات الطازجة قم بزيارة المطاعم الإثنية (خاص بمجموعة عرقية معينة) أو تناول المأكولات البحرية. و يمكنك اختيار كل ما تتخيله من الأسماك في مطعم كودفاذر للمأكولات البحرية في كامبز باي. ويُعد سمك كينجكليب أكبر الأسماك البيضاء في جنوب المحيط الأطلسي فهو يشبه تقريبا سمك الهلبوت (سمك كبير مفلطح). وهناك نوع آخر من الأسماك يسمى كود . وستذهلك الأنواع الأخرى الطيبة المذاق مثل الأبريمس (سمك من الشبوطيات ذو جسم مسطح) وقزلة (نوع من الأسماك الاستوائية لها فك يشبه منقار الببغاء) والأسماك المسطحة بالإضافة إلى الربيان الموزمبيقي الضخم. ومن أفضل المطاعم الهندية التي أعرفها مطعم بخارى في شارع تشرت ستريت ويتميز بالأقسام الكبيرة لغرف الطعام. ويقع في أعلى التل مطعم (ذا نون قن) الذي يقدم طعامه المميز ببهارات الكاري من شبه جزيرة ملايو.
شواطيء للراحة
يوجد في كيب تاون عدد كبير من الشواطيء يصل الى 40 شاطيء، و يكمن أفضلها في شاطئي (كامبز باي) و (لياندادنو) حيث يقعا في على نهاية طريق ملتوي. يرسم البيض حضارة الشاطئ في كيب تاون لكنك مع ذلك ستجد الهنود من وقت لآخر وعائلات من السود يستمتعون برحلات الصيد و لعب الكرة على الشاطيء. تكون مياه البحر شديدة البرودة حيث تتسبب باندفاع الدم داخل الجسم بسرعة, وحتى في فصل الصيف لا يمكنك السباحة إلا لفترات قصيرة كما أن الشمس حارقة لا يمكنك الإستلقاء تحتها لمدة طويلة. ويُفضل قضاء يوم كامل في زيارة كيب بوينت الواقعة في منحدر جبال تابل, ويمكن الوصول إليها بالسيارة فهي على طول الساحل الأطلسي و الطريق اليها كثير الوعورة . و من مركز المدينة يمكنك ركوب التلفريك أو السير على ارتفاعات متفاوته و قصيرة تتميز بمناظر ساحرة من الزهور الزاهية و طيور النورس والشلالات التي لا تسمع عنها إلا في الروايات . أما على البحر ستبعث المساحة الشاسعة شعورا ملهما في النفس. فهناك ستجد بطاريق تسير مترنحة بشكلها المتهدل و ستشهد العديد من البيوت ذات الطراز الانجليزي على شاطئ بولدرز. بإمكانك التوقف عند مقهى أولمبيا كافي في كالك حيث يقدم السمك طازجا من البحر أما طبق المعكرونة مع الطعام البحري فليس له مثيل. وفي آخر النهار قم بزيارة حدائق كريستنبوسش بوتانيكال جاردنز فهي أرض برية كبيرة قد تحولت إلى جنة على أرض أفريقيا. ستجذبك شجيرات بروتيز الاستوائية دائمة الخضرة بأزهارها الزاهية الألوان و هي الأزهار الوطنية في جنوب أفريقيا، و سترى مجموعة مذهلة من أشجار البلوط المستورد وأشجار أخرى أوروبية إلى جانب النباتات المحلية. و بالسير داخل قلب الأراضي الشاسعة للغابات ستجد نفسك قد وصلت الى أشد المروج خضرة.
البيض والسود والعروق الأخرى
من المهم أن تبدأ بزيارة جزيرة روبن التي يمكن الوصول إليها بالقوارب, ثم تجول في قلب المدينة عبر حديقة كمباني جاردن مرورا بمباني البرلمان وكاتدرائية جورج. مازال الطابع الأبيض القديم للمدينة على حاله إلا أنه قد زيِّن بتمثالين أفريقيين يستحقان الإعجاب هما لكل من (سمتز و بوثا ) ، وهما جنرالات من القيادة البيضاء السابقة، ننصحك بان لا تضيع وقتك في المعرض الوطني. لأنه مليء بالديوراما فقط (مشهد ثلاثي الأبعاد مصغر أو بالحجم الطبيعي تكون فيه الأشكال والحياة البرية المحنطة وغيرها مرتبة بشكل طبيعي مقابل خلفية مرسومة و تعيسة من عصر العنصرية التي عاشها شعب الزولو قبل الاستعمار و يوجد بجانبها أسماك قرش بلاستيكية كبيرة محنطة. اذهب إلى متحف ديستركت سيكس ميوزيم في شارع ببوتيكانت حيث صور الدمار الذي خلفته التفرقة العنصرية في قلب مدينة كيب تاون. ففي السيتينات أجبر أكثر من 60,000 من الناس على ترك بيوتهم بالقوة وهُجّروا إلى مساكن بعيدة في أحياء فقيرة خلف حدود المدينة في كيب فلات في حين حُوّلت بيوتهم إلى رُكام. إن صور ديستركت سيكس تعكس اختلاطا ديموغرافيا مقارب لمدينة ريو وأكبر مما هو عليه الأمر خارج المدينة, ويمكنك زيارة مدارس الأطفال من البيض والسود والعروق الأخرى المختلفة لتدرك كم من الأمور الفظيعة والمدمرة قد اُرتكبت باسم السذاجة المعروفة بالتطور المنفصل.
قم بزيارة قوقوليتو وهي منطقة مقسمة وفق العرق ومؤسسة كمسكن للسكان الأصليين وهي على مسافة نصف ساعة بالسيارة من منطقة فلاتز. ويوجد هناك مطعم ونادي موزلي الكبير حيث يمكنك اختيار ما تشتهي من أنواع اللحوم المختلفة. ويتم طهي الطعام في المطبخ على نار الحطب ثم يُقدم على هيئة شرائح مقطعة في أواني لامعة. قم بنزهة بين الشوارع البسيطة بالخطوط التي تخلفها سيارات بي إم دبليو الفاخرة عليها ومحلات الحلاقة بلافتاتها الملونة. لا شيء يدعو للملل في قوقوليتو غير أنها منفصلة تماما عن مدينة كيب تاون كما أن حلم مانديلا (قوس قزح) ليس واقعيا في تلك المنطقة.
أفضل الأوقات لزيارة كيب تاون
أفضل الأوقات لاكتشاف كيب تاون والساحل الجنوبي للمحيط الأطلسي هو بعد أعياد الكرسمس وعطلة رأس السنة. حيث يكون معظم الزائرون قد رحلوا في حين ما زال الجو رائعاً أي في شهر فبراير.
◾النهار : 10 ساعات
◾درجات الحرارة : الدرجة الصغرى 16
◾الدرجة العظمى 26
◾الأمطار : 8 ملم
◾الرطوبة : متوسطة