أعلى

 

صيفة العرب (محمد الإشعابي): انتشرت الكهوف الملحية في مصر مؤخرا، وارتبط إنشاؤها بالمناطق السياحية، حيث توالى بناؤها في مدن شرم الشيخ جنوب سيناء، والغردقة بمحافظة البحر الأحمر، ومنتجع بورتو سخنة بمحافظة السويس (شرق القاهرة)، وفي عام 2009 تم تدشين أول كهف ملحي مصري في شرم الشيخ. وأثبتت البحوث والدراسات قدرة الملح الصخري على علاج الكثير من الأمراض، ومنها الربو والحساسية والتهاب الجيوب الأنفية، كما يساعد على التخلص من بعض الأمراض الجلدية، كالصدفية والإكزيما. ويعدّ الملح الصخري أنقى أشكال الملح، حيث يخلو من الملوثات البيئية ومكوناتها الكيميائية، وصنفته شركات السياحة المصرية كأحدث برنامج علاجي سياحي في مصر. وتعد كهوف الملح من المزارات السياحة العلاجية التي تقصدها العديد من الجنسيات الأجنبية القادمة إلى مصر، لا سيما دول روسيا وبيلاروسيا وبولندا وإستونيا، بجانب بعض دول أوروبا الغربية، ومنها ألمانيا والسويد، بينما يقتصر الإقبال العربي على مواطني الكويت والإمارات، حيث توجد بهاتين الدولتين كهوف ملحية أيضا. ورغم أن السياحة المصرية عانت من انخفاض كبير في عدد الوافدين في السنوات الأخيرة، إلا أنها شهدت أحلك فتراتها بعد حادث سقوط الطائرة الروسية وسط سيناء في نهاية أكتوبر 2015، ما دفع روسيا لتعليق رحلاتها الجوية، وزار مصر ما يزيد عن 14.7 مليون سائح في 2010 قبيل أحداث 25 يناير، ثم انخفض العدد إلى 9.3 مليون سائح في 2015، طبقا لإحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري. وتستقطب السياحة العلاجية عددا لا بأس به من السائحين الوافدين الراغبين في الاستشفاء، حيث تزخر مصر بأنماط متنوعة منها، ومن تلك الأنماط الرمال الغنية بالعناصر المشعّة التي تشفي أمراض الروماتيزم، والعيون الكبريتية التي تشفي من أمراض العظام والجهاز الهضمي والتنفسي والأمراض الجلدية، وأيضا ينابيع المياه الساخنة التي تشهد إقبالا كثيفا من الزائرين. ويقول جمعة العقوري، صاحب كهف للملح لـ”العرب” إن العلاج بالكهوف الملحية يتم من خلال استنشاق جزيئات الملح التي تقوم بتنظيف المسالك التنفسية، فالملح معقّم ومضاد طبيعي للبكتيريا، ويمكن لأيّ شخص أن يخضع للعلاج الطبيعي، حتى الأطفال. ويعمل الملح الصخري على تفتيت الطاقة السلبية في الجسم والتي تتكون من الأيونات السالبة، ما يساعد على الاسترخاء وتحقيق الهدوء النفسي والحدّ من التوتر.

 

تصميم خاص

تأخذ كهوف الملح في تصميمها شكل الكهوف الجبلية، ولا يستطيع السائح أن يرفع فيها رأسه، وإلا فسوف تصطدم الرأس بصخور ملحية مدببة مدعمة بطبقات من الملح، ويشبه الكهف أحد مناجم الملح، فالغرف مصممة ومجهزة من الملح الجاف، والجدران عبارة عن مكعبات ملحية متراصة، أما الأرض فيتناثر فوقها الملح الخشن، بينما الهواء مشبع بالأملاح الطبيعية. وأوضح العقوري أن العلاج بالملح جزء من تراث المصريين القدماء، حيث أولى الفراعنة اهتماما كبيرا به، وكان ملوك مصر القديمة ينثرون الملح في أركان المكان في أثناء افتتاح المعابد لاعتقادهم بالسحر والحسد، ولتعقيمه وتطهيره من البكتيريا والجراثيم والتخلص من السموم، وفي أوروبا يصفون الملح بالعلاج التكميلي، وينصح الأطباء مرضاهم بزيارة كهوف الملح للعديد من المرات خلال الشهر الواحد. وتتنوع التصاميم الملحية داخل كهف الملح، فالأباجورات والشموع الملحية، بجانب تصاميم تتخذ الشكل الهرمي، تلقى قبولا لدى الزائرين، لا سيما الأجانب منهم. وأكد العقورى أن هذه الأشكال، إلى جانب تداخل الألوان الهادئة التي صممها خبراء المعالجة بالألوان واختيرت بشكل علمي ومنهجي، تساعد على الاسترخاء ومد الإنسان بطاقة إيجابية. ويتم تزويد تلك التصاميم بمصابيح كهربائية تعمل على تسخين الملح الذي يتطاير منه البخار المزود بمواد معدنية لفتح مسام الجلد أمام الهواء ما يساعد على تنشيط الدورة الدموية، والقضاء على سموم الجسم. ويسع كهف الملح 25 شخصا، يجلسون لمدة 60 دقيقة، على أنغام الموسيقى الهادئة نظير 50 جنيها (نحو 2.77 دولار) للفرد الواحد، والبعض من الزائرين يجلسون، والبعض الآخر يستلقي أو ينام، ويمسك الجالس منهم بحفنة من الملح الخشن في يده كأنه يمارس رياضة اليوغا الشهيرة، بينما النائمون تغطي أجسادهم كمية كبيرة من الملح، تساعدهم على مد الجسم بالطاقة الكافية المستمدة من الملح الطبيعي.

 

الملح الصخري وملح الطعام

بحسب محمود زهران خبير العلاج بالطاقة الحيوية فإن الملح الصخري المصري يتميز عن سواه بأنه الأفضل من نوعه عالميا، إذ أنه غني بمادتي هايبوكلوريت الكالسيوم وهايبوكلوريت الصوديوم، بالإضافة إلى مادتي “mss1” و”mss2” اللتين تساعدان على علاج كل الأمراض، ومن بينها مرض السرطان، خلال 25 يوما، والملح المصري غني كذلك بالبيكربونات النقية، التي تسهم في إزالة الرطوبة من الجسم، وطرد السموم. وألقت السينما المصرية الضوء على تراثية العلاج بالملح من خلال مشاهد متباينة في أفلام ستينات القرن العشرين وسبعيناته، حيث صورت تلك المشاهد كيف كان المصريون يتخلصون من عناء يوم كامل بوضع الشخص قدميه في الماء الساخن الممزوج بالملح. وحذر زهران أثناء حديثه لـ”العرب” من مغبة الخلط بين العلاج بالملح الصخري والأنواع الأخرى من الملح، وخاصة الملح المستخدم في الطعام، نظرا لوجود مواد سامة به، لأن الشركات المصنعة له تضعه تحت درجات حرارة تصل إلى 560 درجة مئوية، ما يؤدي إلى فقدانه اليود الطبيعي واستبداله باليود الكيميائي الذي يُفقد الإنسان مناعته، ومن ثم فالملح الصخري هو البديل الصحي والآمن، ويمكن استخدامه في الأكل أيضا، إلى جانب دوره في العلاج. ويلقي المعالجون بالطبيعة باللائمة على شركات الأدوية التي تحاول التقليل من أهمية الدور الذي تقوم به كهوف الملح وغيرها من نظم الاستشفاء بالطبيعة، بهدف إبعاد الجماهير عن التوجه إلى هذا النوع من العلاج.

 

ويتوافر الملح الصخري في كثير من المناطق في مصر، أغناها الجبل الملحي الواقع في واحة سيوة بمرسى مطروح (غرب مصر)، ومثلث حلايب وشلاتين على الحدود الجنوبية الواقعة بين مصر والسودان، والصحراء الغربية مرورا بالخط الحدودي بين مصر وليبيا، كما تتميز مصر بتوافر عشرات الأنواع من الأملاح، نظرا لتنوع بحيراتها الملحية، البالغة 10 بحيرات. وأشار معتز حسين مدير تسويق بإحدى الشركات المنتجة والمصنعة للكهوف الملحية، أثناء حديثه لـ”العرب”، إلى أن الوعي الجماهيري المحلي لدى شرائح غفيرة من المصريين بأهمية الملح وفوائده يكاد يكون معدوما، رغم أن تلك الثقافة متوافرة لدى الأجانب، وهذا ما يمثل العقبة الأولى في التسويق لكهوف الملح، ومازالت طرق توعية الجماهير بهذا الشأن قاصرة على وسائل التواصل الاجتماعي فقط. ورغم الإجراءات التي تتخذها الحكومة المصرية لتنشيط السياحة، إلا أن تلك الجهود لم تكن كافية لإعادتها إلى سابق عهدها، وهو ما يؤثر على نشاط السياحة العلاجية، فثقافة ذلك النوع من السياحة غائبة عن الكثير من شرائح متعددة من المصريين.