أعلى

 

دار الحياة: «أحلم بتشييد منزل سيكون من دواعي فخري أن يحمل اسمي». هذا ما قاله رجل الأعمال السويسري «سيزار ريتز» César Ritz عندما قرر بناء فندق «الريتز» عام 1898م. وفي الواقع فقد نجح في تحقيق حلمه الذي سرعان ما أصبح الملاذ الآمن للكثير من الأسماء التي تركت بصمة بارزة في عالم الأزياء والأدب والغناء والموسيقى والسياسة... جميعهم أحبوا فندق «الريتز» الباريسي The Ritz Paris ومنهم من اختاره ليكون منزله الدائم، كمصممة الأزياء الفرنسية كوكو شانيل التي عاشت في ربوعه نحو الثلاثين عاماً، وفيه فارقت الحياة في 10 كانون الثاني (يناير) عام 1971م. بدخولكم إلى بهوه الأنيق، ستكونون محاطين بهالة من العظمة والفخامة، وسترحب بكم وجوه باسمة تتقن جيداً لغة التعامل مع أرقى الضيوف. فهذا الفندق الرابض في الرقم 15 من ساحة «فاندوم»، كان ولا يزال نقطة جذب للعديد من الشخصيات العالمية التي دخلت التاريخ من بابه الواسع. إن عهد الوفاء الذي قطعته على نفسها تلك الشخصيات للإقامة في «الريتز» أو لتكرار الزيارة إليه كلما سنحت لها الفرصة، قابله «الريتز» بتسمية بعض أجنحته بأسماء ضيوفه المشاهير. وهنا يبرز في الطابق الثاني جناح كوكو شانيل Coco Chanel Suite. فشانيل هي من وضعت لمساتها على الجناح، واستخدمت ألوانها المفضلة كالأبيض والأسود. وحتى بعد عملية الترميم التي انتهت منذ أشهر قليلة، فإن روح شانيل بقيت حاضرة وظلت تعبق في حنايا المكان وكأنها لم تفارقه.

 

ولمغنية الأوبرا الأميركية ماريا كالاس جناح يحمل اسمها Maria Callas Suite. فتلك المغنية ذات الأصول اليونانية أقامت في «الريتز» في حزيران (يونيو) عام 1964 بينما كانت تقدم عروضها الفنية في أوبرا «غارنييه» القريبة منه. ومن بين الأجنحة المميزة جناح «سيزار ريتز» César Ritz Suite الذي هو خير معرّف عن ذلك الرجل الذي عشق الرفاهية اللامتناهية، والذي أحب أيضاً أن تعيش المرأة في بيئة مترفة ومريحة، فجاء الفندق كتحية لها. ومن المؤكد أنه سيلفت انتباهكم بالتفاصيل الدقيقة المتناثرة داخل الغرف والأجنحة، كالمناشف الفاتحة اللون، وورق الجدران المزركش، وتحمل جميعها مسحة أنثوية بارزة. وسيطالعكم في الطابق الأول من الفندق جناج الروائي الفرنسي مارسيل بروست Marcel Proust Suite الذي شارك في حفل افتتاح الفندق، وبعدها كان يتردد إليه للكتابة وللاستمتاع بأسلوب الحياة الباريسي الفاخر. ويفيض جناح «بروست» بالكتب التاريخية المحفوظة في واجهات خشبية أنيقة. ومن المعروف أن الروائي الفرنسي اختار «الريتز» ليحتفل بحصوله على جائزة «غونكور» التي تمنحها أكاديمية «غونكور» سنوياً للبارعين في كتابة الرواية باللغة الفرنسية. واسم «بروست» ستجدونه أيضاً على الصالون الذي يحمل اسمه Salon Proust وفيه تطيب الجلسات بالقرب من النار المتأججة في الموقد، واحتساء الشاي مع ما يرافقه من حلويات فرنسية طيبة المذاق. ولم يبخل الفندق بمنح الممثل الكوميدي الإنكليزي ومخرج الأفلام الصامتة تشارلي تشابلن جناحاً يحمل اسمه Charlie Chaplin Suite. وقد أقام تشابلن في الفندق للمرة الأولى عام 1952 خلال حملته الترويجية لفيلمه «الأضواء».

 

ولأن الفندق يحتل مكانة بارزة في ساحة «فاندوم»، فإنه يحتضن جناح «فاندوم» Suite Vendôme الذي يطل على الساحة التي يزين وسطها عامود «فاندوم» المتوج بتمثال للإمبراطور الفرنسي نابوليون بونابرت للاحتفال بالنصر الساحق الذي حققه على الأراضي التشيخية خلال معركة «أوسترليتز» والمعروفة بـ «معركة الأباطرة الثلاثة» عام 1805. ويكشف جناح «فاندوم» عن البذخ والترف اللذين كانت تتمتع بهما الطبقة الأرستقراطية الفرنسية خلال فترة حكم الملك لويس الرابع عشر بين عامي 1661-1715. ففرنسا عاشت عصرها الذهبي خلال تلك الفترة، وسيهبكم هذا الجناح فرصة معايشة ماضي البلاد المجيد من خلال مفروشاته وديكوره الذي ينبسط على مساحة 163 متراً مربعاً. ويضج الفندق بأسماء العظماء والمشاهير، فاسم الكاتب والروائي الأميركي إرنست همنغواي حاضر أيضاً على بار خاص يحمل اسمه Bar Hemingway. فذلك الكاتب العالمي الذي فارق الحياة منتحراً عام 1961 بعد مسيرة حافلة بالمجد الأدبي أوصلته إلى حصوله على جائزة نوبل للآداب عام 1954، أحب باريس أيضاً وفندق «الريتز»، وأهدى المدينة روايته المعروفة «وليمة متنقلة» Moveable Feast وذكر في مطلعها: «إذا حالفك الحظ بما فيه الكفاية لتعيش في باريس وأنت شاب، فإن ذكراها ستبقى معك أينما ذهبت طوال حياتك، لأن باريس وليمة متنقلة». أما نحن فنقول: «إذا حالفكم الحظ وزرتم باريس، فاجعلوا من «الريتز» مقر إقامتكم، لتعيشوا عصر المدينة الذهبي وأيامها الغابرة».