عمّان بلد إكرام الضيف والنخوة العربية
عواطف العلوي / الانباء الكويتية: في كل رحلاتي أبحث دائما عن القرى والمناطق القديمة والأحياء السكنية التي يقطنها «الحقيقيون» من أهل البلد، الرحلة التي لا يتسنى لي فيها إلا زيارة متاحف ومعارض وقصور تاريخية ومقاه وأسواق ومحطات ترفيه لا أمنحها أكثر من 6 من 10 على مقياس الرضا عن الرحلة والشعور بجمالها وعمق ما تركته من أثر في نفسي بعد عودتي منها. قبل أيام وبلا سابق تخطيط جاءتني دعوة للمشاركة في المؤتمر الدولي للشباب والتطوع في العاصمة الأردنية، عمان، تلك المدينة الغامضة دوما بالنسبة لي، والتي لا أذكر من زيارتي لها آخر مرة وأنا طفلة أي شيء. حين وصلتني الدعوة لم يتمكن التردد مني إلا ثواني فقط لأعلن موافقتي وترحيبي بتلبية الدعوة. بصراحة كانت رغبتي في زيارة الأردن هي الحافز الأول للموافقة، تأتي بعدها الرغبة في المشاركة في المؤتمر، فكانت الرحلة. نسمات عليلة وبرودة لطيفة منعشة، رغم أننا في منتصف أغسطس، استقبلتني فور خروجي من مطار الملكة علياء الدولي الذي اختير كأفضل مطار في الشرق الأوسط لعام 2014م من قبل مجلس المطارات الدولي، والذي بالمناسبة شيد بأيدي مجموعة من الشركات العربية والعالمية من ضمنها شركة كويتية، فتفوق بمراحل شاسعة على مطارنا الداثر في الكويت. على طول الطريق من مطار الملكة علياء إلى الفندق وسط عمان تناثرت بيوت مكسوة بالحجر الجبلي الذي اشتهرت به الأردن، فوق عشرين جبلا كما أخبروني لاحقا، متدرجة بعضها فوق بعض. الجميل في تلك البيوت وجود تلك المسافات الواسعة بين كل بيت وجاره، ارتداد مريح للنظر لم يعد موجودا لدينا في الكويت بسبب التصاق مباني البيوت حتى غدت كعلب أو صناديق أهلها غير قادرين على تنفس الخصوصية. ولزام علي أن أذكر جمال ودفء الترحيب الذي كنت أتلقاه من كل من قابلته هناك حين يعلم أنني كويتية، الحب والتقدير والامتنان للكويت كان الطابع العام في حديثهم عن بلدي، ما غمرني بفخر وزهو، وألفة دافئة ألغت كل المسافات بيني وبينهم وأشعرتني أنني في بلدي بين إخوتي وأخواتي بحق.
لن أسهب هنا بالحديث عن فعاليات المؤتمر الذي تأثرت فيه بتفاعل الحضور من 16 دولة عربية مع ورقة العمل التي قدمتها حول اللغة العربية وأهميتها والعراقيل التي تواجهها وسبل الحفاظ عليها، تفاعلا جعلني فخورة بكل أولئك الذين يعتزون بلغتنا ويرغبون بصدق في الحفاظ عليها ومنحها ما تستحق من تكريم وإجلال. كانت مشاعر طاغية بالفخر والسعادة غمرتني وأنا أرى هذا الدعم والتشجيع من أناس كانوا فيما سبق معلمينا في الكويت وواضعي حجر أساس التعليم والحركة الثقافية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. أترك تفاصيل المؤتمر لأتحدث عن الأردنيين أنفسهم، شعب مازال يتمتع بالأصالة والعراقة العربية بجمالها وشموخها، فلا عجب أن لقب الأردن ببلد النشامى، إكرام الضيف لدى الأردنيين صنف لم يعد له وجود إلا فيما ندر بيننا نحن الخليجيين، لا أقصد طبعا أننا غير كرماء، بل نحن كرماء جدا في إكرام الضيف ومشهورون بذلك، لكني أعني أن الضيافة الأردنية لها طابع خاص مختلف عنا، فالضيافة في بيوت الأردنيين الذين أسعدنا بزيارتها تلبية لدعوة كريمة من أصحابها اصطبغت ببساطة وعفوية أسبغتا على الأجواء حميمية ودفئا افتقدناهما في خضم التكلف المبالغ فيه في مناسباتنا ومعمعة البذخ في مستلزمات الضيافة حتى باتت مناسباتنا شكليات ومعارض صور للتباهي بالأثاث والإكسسوارات والملابس وأصناف الطعام التي تكفي بلدا لا مجموعة صغيرة من الأفراد، ولينتهي أثرها في النفوس سريعا بعد نشر الصور في وسائل التواصل الاجتماعي. مظاهر غدت عبئا زال معه الجمال القديم للتواصل العفوي البسيط غير المتكلف.
أما ما رأيته في البيت الأردني فكان صواني للمنسف والكبسة تتوسطها قطع لحم لذبيحة من أطيب ما ذقته في حياتي، ولا أطباق جانبية غير السلطة الخضراء المقطعة بشكل صغير جدا يذكرنا بسلطاتنا قديما. وتتناثر على الطاولة حول الصواني علب المشروبات الغازية الباردة وعلب الماء البلاستكية، فقط لا غير. تالله كانت من أجمل الولائم التي دعيت إليها. احتفاء أهل البيت بنا -وهم بالمناسبة أسرة ذات نسب عريق وأهل كرم وخير وعز- أضفى حلاوة على الوليمة ما زلنا نتحدث بها حتى بعدما غادرنا الأردن كل إلى بلده. أما التحلية بعد الوجبة الدسمة فلم تكن غير فواكه من محصول الموسم الطازج، خوخ من بستان أهل البيت، وعناقيد عنب كانت، قبل أن تقطف لنا وتوزع علينا، تتدلى بغنج وغواية من عريشها فوق رؤوسنا، ثم جاء الشاي الذي اعتاد الأردنيون على تقديمه للضيوف محلى بالسكر قبل أن يوزع عليهم. ولا أنسى وقوف تلك الطفلة الجميلة من أسرة البيت المضياف عند باب الحمام ممسكة بمنشفة قطنية تناولها من يخرج من الحمام ليمسح يديه بها. طقوس لطيفة تعود بذاكرتي لبساطة حياتنا وجمالها عفويتها سابقا دون تكلف أو بهرجة قبل عهد الزيف الاجتماعي. الأردن بلد جميل بل جميل جدا، وبين ربوعه تقبع آثار لحضارات عدة وشواهد لحقب زمنية حفرت تاريخا عريقا لهذا البلد الذي يعود تاريخه إلى سبعة آلاف سنة قبل الميلاد، ويسكنه شعب يحمل بين ضلوعه حبا صادقا لأرضهم وولاء عميقا لمليكهم.
قال لي أردني إنه شعب «مكشر» لا يعرف الابتسامة، لكني أدركت فيما بعد أن «الكشرة» تندرج عندهم تحت بند «الهيبة والأدب والجدية»، بل إنني قابلت هناك كثيرا من الأردنيين طرفاء و«خفيفي طينة» والنكتة حاضرة لديهم في كل رد أو تعليق، وأداؤهم رائع لرقصة الدبكة الساحرة التي سنحت لي الفرصة لأشارك فيها أثناء زيارتنا للمسرح الروماني في منطقة جرش التاريخية. إن كانت لي ملاحظة سلبية على الأردنيين فهي إدمانهم تدخين السجائر وبشراهة وإفراط، صغارا وكبارا، نساء ورجالا، في كل وقت وفي كل مكان، مغلقا كان المكان أم مفتوحا، ودون استنكار من قبل الموجودين حولهم، وكأنه تصرف طبيعي ومقبول ولا ضير فيه. بوجه عام، الأردنيون شعب كريم ومحترم ومكافح، يعتز بعاداته وأصوله، ويملك قدرا كبيرا من عزة النفس والنخوة العربية العشائرية. فتحية لهذا البلد العربي الشامخ، وألف تحية لشعبه الأصيل..
للحجز وللحصول على أفضل عروض السفر أتصل بوكيل السفر المعتمد "عالم أسفار للسفر والسياحة"
مدينة سيهات، شارع الخليج – حي الغدير
المنطقة الشرقية – المملكة العربية السعودية
تلفون: 966567326030+ / 966567316030+
البريد الالكتروني: assfar@assfar.org
الموقع الالكتروني: www.assfar.org