دريسدن الالمانية تاريخ ثقافي وفني عريق
بشير سليمان (القبس): تواصل ألمانيا تقدمها بخطوات ثابتة كوجهة سياحية جاذبة سنة بعد أخرى، ولا يقتصر الجذب السياحي على منطقة بافاريا والجنوب الرائع، انما هناك مناطق في شرق البلاد، لا تقل جمالية عن مناطق الجذب السياحي المشهورة، وسنتطرق هنا الى مدينة دريسدن في واد على نهر ألبه، بالقرب من الحدود مع جمهورية التشيك، لديها العديد من الصفات التي تجعلها مشهورة، وهي عاصمة ولاية ساكسونيا، وثاني أكبر مدينة في الولاية. كلمة «درسدن» مأخوذة من الكلمة السلافية drezga، التي تعني «الغابة، الكثافة». الكلمة ومعناها تحولا بمرور الوقت وأصبح الاسم أكثر تحديداً يعني استيطان الناس في الغابة هو مناسب جداً، حيث تعتبر دريسدن واحدة من أكثر المدن خضاراً في جميع أنحاء أوروبا، حيث تشكل %63 من المدينة مناطق خضراء وغابات. بالاضافة الى الخضار والغابات، المدينة لديها تاريخ طويل كعاصمة ومقر إقامة ولملوك من ولاية سكسونيا، الذين أمدوا المدينة على مدى قرون بروعة ثقافية وفنية ومعمارية، حيث أيضا كانت في السابق مقر العائلة المالكة البولندية. كانت المدينة تعرف باسم صندوق الجواهر، بسبب مركزها الباروكي وروكوكو سيتي سنتر. في هذه الأيام، لا تزال تعتبر درسدن مركزاً ثقافياً وتعليمياً مرموقاً. الوصول الى دريسدن يمكن عبر القطار من فرانكفورت أو براغ عاصمة التشيك (ساعتان بالقطار) أو عبر مطار المدينة، ويمكن الانتقال بسهولة الى قلب دريسدن بواسطة القطار وبسهولة تامة.
وينتشر في المدينة عدد لا بأس به من الفنادق، خاصة على ضفاف نهر الألبه، وككل مدينة تاريخية عريقة في ألمانيا لا بد من اكتشاف نقاط الجذب الرئيسية، وهي المنطقة التاريخية وسط المدينة، وفيها كنائس قديمة تعود إلى العصور الوسطى وقبلها، ويغلب عليها طابع الفن القوطي، والبعض أعيد ترميمه بعد توحيد ألمانيا، إضافة إلى تماثيل لحكام ولاية ساكسونيا منذ مئات السنين، وما لفت نظري جدارية رائعة بطول عشرات الامتار، رسم عليها جميع حكام ساكسونيا، مع السنة التي تولى فيها الحكم، والسنة التي انتهى فيها حكمه، وباختصار جدارية تتحدث عن تاريخ المنطقة وحتى اليوم. والمنطقة التاريخية مرصوفة بالحجارة، ومخصصة للمشاة، ويمكن استئجار عربات الخيل للقيام برحلة في أرجاء المدينة. ولا تكتمل المتعة إلا بزيارة متحف Verkehr museum، وهو من أجمل المتاحف، ويضم قطارات قديمة كانت تستخدم في حقبة سابقة، وسيارات تعود للقرن التاسع عشر وبداية الثورة الصناعية، ودراجات هوئية بأشكالها الاولى، ومراكب بحرية ونهرية وغيرها الكثير.
متحف المقتنيات الثمينة
من يزور دريسدن لا يستطيع ان يتجاهل متاحف المدينة، لا سيما متحف المقتنيات الثمينة من حضارات مختلفة وحقبات تاريخية متعددة، واكثر ما لفت انتباهي الهدايا الثمينة التي كانت تقدمها الدولة العثمانية لألمانيا، وننصح بزيارة الجناح الخاص بها، وبه مشغولات ذهبية واحجار كريمة وبورسلان واقمشة واسلحة. لا بد من تخصيص يوم واكثر لوسط المدينة التاريخي، خصوصاً عندما تقرر زيارة دار الاوبرا وتستمتع بعرض موسيقي راق ومعزوفة لعمالقة الموسيقى. هناك ايضاً متحف معرض الصور القديمة ومتحف القبو الأخضر. متحف الصحة الألماني Deutsches Hygiene-Museum، يعتبر اليوم «منتدى للعلم والثقافة والمجتمع»، وهو مكان شعبي للأحداث والمعارض، ومن بين المتاحف الأكثر زيارة في درسدن، مع نحو 280 ألف زائر سنوياً. تأسس المتحف في عام 1912 من قبل كارل أوغست لينغنر وهو رجل أعمال في درسدن وصانع منتجات النظافة كمكان عام دائم للرعاية الصحية، بعد أول معرض دولي للصحة في عام 1911. انعقد المعرض الدولي الثاني للصحة العامة في عام 1930، في مبنى مقام غرب حديقة غروير غارتن وفقا للخطط التي وضعها فيلهلم كريس، والتي أصبحت المنزل الدائم للمتحف. يعتبر المتحف واحداً من أكبر عوامل الجذب في المدينة، ولا يزال نموذجا شفافا لنظافة الإنسان، الذي انتقلت فكرته إلى العديد من المتاحف التي أُنشئت لاحقاً. خلال فترة ألمانيا النازية، وقع المتحف تحت تأثير النازيين، الذين استخدموه لإنتاج مواد دعائية لأيديولوجياتهم العنصرية وتعزيز تحسين النسل. انتقلت العديد من مكاتب الحكومة النازية إلى المتحف بين عامي 1933 و1941، وانعقدت جبهة العمال الألمانية والمنافسة المهنية الوطنية هناك في عام 1944. دمرت أجزاء كبيرة من المبنى أثناء قصف درسدن في الحرب العالمية الثانية في عام 1945.
في عهد ألمانيا الشرقية، استأنف المتحف دوره كمحور للمعلومات الصحية العامة. وبعد إعادة توحيد ألمانيا تمت إعادة النظر في المتحف وتحديثه، ابتداء من عام 1991. في عام 2001 أُدرج المتحف في الكتاب الأزرق للحكومة الألمانية، مع قائمة تضم نحو 20 مما يسمى «المنارات الثقافية» – وهي المؤسسات الثقافية ذات الأهمية الوطنية في ألمانيا الشرقية السابقة. بين عامي 2001 و2005 تم تجديد المتحف وإعادة بنائه جزئياً تحت إشراف المهندس المعماري بيتر كولكا. لا تخلو دريسدن من المساحات الخضراء ولاكتشاف المدينة اكثر ننصح بالقيام بجولة على متن الدراجة الهوئية التي خصصت لها طرقات خاصة في جميع انحاء المدينة سواء القديمة منها او الحديثة. إن زيارة دريسدن لا تكتمل الا بالقيام برحلة نهرية عبر نهر الالبه باتجاه قرية بيرنا التي تبعد عن مدينة درسدن 28 كلم، قرية لها شعبية كبيرة للسياح على ضفاف نهر البه، قرية جميلة وهادئة. هي منطقة تسلق جبلية ومتنزه وطني حول وادي البه جنوب شرق دريسدن في ساكسونيا. وتشكل جبال Elbe Sandstone جنباً إلى جنب مع بوهيمية سويتزرلاند في جمهورية التشيك. تمتلك ساكسونيا سويتزرلاند وحدها نحو 1000 قمة تسلق، فضلاً عن عدة تجاويف. يزور المنطقة عدد من المتسلقين الدوليين. أعلى ارتفاع في المنطقة هو Großer Zschirnstein على ارتفاع 562 متراً فوق مستوى سطح البحر. تقع الحدود بين جبال إلبه ساندستون وجبال لوساتيان في الأراضي التشيكية. يتكون الصخر من مادة البازلت البركاني أو مادة الغرانيت.
القلاع في العصور الوسطى
عندما بدأ الألمان بالاستقرار في القرن الثالث عشر، كان هناك إبعاد منهجي للنفوذ البوهيمي، ونشبت صراعات عسكرية محلية عديدة حول التحصينات المهمة من الناحية الاستراتيجية. هذه التحصينات تهدف في المقام الأول لحماية الحدود والطرق التجارية. بسبب عدم وجود قوة مركزية تركت هذه الوظيفة الوقائية للفرسان المحليين. هذه القلاع والأطلال، وبعضها محافظ عليه بشكل جيد، تحظى بشعبية بين السياح الذين يشقون طريقهم إلى هذه المواقع على مسارات التسلق الحادة. في سبتمبر 1990، حتى قبل إعادة توحيد ألمانيا، تم إنشاء حديقة وطنية في المنطقة من أجل حماية الطابع الطبيعي الفريد لمدى التل. تغطي مساحة 93 كيلومتراً مربعاً وتقسم الى منطقتين منفصلتين، واحدة في ألمانيا، والثانية في جمهورية التشيك.