أطباق تسمع حولها حكايا في شوارع القاهرة
القاهرة - محمد عجم: تتميز شوارع القاهرة بخيارات عدة لتناول الطعام، وتعد أطباق الفول والكشري والكبدة علامات مميزة تجتذب آلاف المواطنين بمختلف أعمارهم وفئاتهم وثقافاتهم، بشكل يومي. ولأطباق الشارع مذاق خاص، ولها نكهتها المرتبطة بطريقة الطهي والتسوية والتقديم، كما تتيح هذه الأطباق لمتذوقها الفرصة لتجاذب أطراف الحديث مع الآخرين، بحكم الالتفاف حول الصّانع لتناول ما أنتجت يداه. وعربة الفول سمة مميزة في القاهرة، فلا يكاد يخلو منها شارع أو ميدان، سواء في الأحياء الشعبية أو الراقية، ولا يقتصر زبائنها على البسطاء بل يقبل عليها مختلف الفئات الاجتماعية، ورغم توافر المطاعم المتخصصة في تقديم الفول والفلافل (الطعمية)، إلا أنه تظل لعربة الفول بتصميمها المعروف، وألوانها التي لا تخرج عن الأحمر والأخضر، جاذبية خاصة. ودائما ما تحمل العربات بعض المقولات لجذب الزبائن، لكن يظل أشهرها «إن خلص الفول... أنا مش مسؤول»، وهي عبارة تدعو قارئها للإسراع في تناول الفول قبل أن يلتهمه الآخرون. تقدم العربات خيارات متعددة من أطباق الفول، فمنها ما يقدم بالزيت الحار، أو بالزيت الحلو، أو بالزبدة أحيانا، بالإضافة إلى التوابل وهي التي تميز عربة فول عن أخرى وتكون عاملا في شهرة صاحبها عن غيره. كما يمكن تجربة طبق الفول مضافاً إليه الطحين أو الليمون أو شرائح البصل أو الفلفل الأخضر، كذلك تختلف العربات فيما تقدمه من مأكولات جانبية مع الفول، مثل الباذنجان المخلل والليمون المخلل والبصل الأخضر والسلطة الخضراء.
ومع زيارتك للقاهرة، ستصادف عربات فول تعمل فقط في ساعات الصباح حيث تبدأ عملها فجراً، وأخرى تعمل ليلا فقط، وثالثة تعمل طوال ساعات اليوم، أما المثير فهو أن هناك عربات فول ذائعة الصيت ويكتسب أصحابها شهرة كبيرة، منها على سبيل المثال «فول محروس»، الموجود في حي «جاردن سيتي» أرقى أحياء مصر، مجاوراً عددا من السفارات، وأهم ما يميزه عمله خلال الليل وحتى الساعات الأولى من الصباح، ووجود السائحين والأجانب، الذين جاءوا لتجربة الوجبة الشعبية الأولى في مصر. في الجهة المقابلة، وتحديداً منطقة قصر العيني، التي تكتظ بالموظفين الحكوميين وطلاب المدارس، يقف «عم جمعة» بعربته فيما يصطف الزبائن في طوابير أمامه، ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «يعتبر طبق الفول علامة مميزة في صباح القاهرة الباكر، بل يعتبره كثيرون جزءا من طقسهم الصباحي الذي يسمى (الاصطباحة)»، موضحاً أن ما يفرق طبق فول عن غيره هو «الخلطة»، أو ما يطلق عليه «التحويجة» التي تتوقف على مهارة صاحب العربة وخبراته. ويأتي طبق الكشري في التصنيف نفسه، ويعد من أشهر الوجبات المصرية، ويمكن تناوله في المطاعم المخصصة في إعداده أو من عربات بيعه المنتشرة في أحياء القاهرة لا سيما الشعبية، كما تتركز هذه العربات غالبا بجوار مواقف السيارات أو الأسواق أو أماكن اجتذاب العمالة، حيث تقدم طبق الكشري بسعر منخفض مقارنة بنظيره في المطاعم.
«الشطة نار بجد مش هزار»، هو غالبا الشعار الذي يكتب على واجهة العربة للدعاية، أما داخل العربات، مغلقة الوجهات الثلاث الزجاجية، فنجد مكونات الكشري من المعكرونة والأرز والعدس الأسود (عدس بجبة) وحمص الشام والصلصة والبصل والشطة تتراص بجوار بعضها. وأمام العربة يقف صاحبها الذي تكون مهمته خلط هذه المكونات في أطباق أو علب بلاستيكية وفق رغبات زبائنه، والذي يقوم دائما بمهمته في خفة وحركات بهلوانية لإبراز مهارته من ناحية، وتشويق زبونه لالتهام الكشري من ناحية أخرى. وبالطبع قبل هذه المهمة تكون هناك مرحلة سابقة هي تجهيز الرز والمعكرونة والعدس، وهي عملية تبدأ زمنياً في الصباح الباكر بهدف أن تكون المكونات طازجة، ومكانياً في منزل صاحب العربة أو في مكان مخصص لذلك بعيدا عن العربة. ويلتف الزبائن في الغالب حول العربة وهم يمسكون بأطباقهم من الكشري لتناولها في نهم، وفي أحيان أخرى يكون هناك بعض الموائد الملحقة بالعربة، ولكنها في الغالب تكون مقصدا لشرطة المرافق والبلديات كونها تعد إشغالا للطريق، بعكس العربة ذاتها التي يمكن تحريكها من مكان لآخر.
المثير أن كثيرا من مطاعم الكشري الشهيرة في مصر بدأ أصحابها من بيع الكشري في العربات، وأبرزهم كشري «أبو طارق»، حيث بدأ صاحبه «يوسف زكي» رحلته بالعمل على عربة الكشري التي كان يمتلكها والده، والتي كان يتجول بها في شوارع القاهرة، وبعد وفاة الأب انتقلت ملكية العربة للابن، لتتحول بمرور السنوات إلى أشهر محل كشري في مصر. وما بين الكشري والفول، تحتل عربة تقديم الكبدة مكانتها في قلوب «الأكيلة»، لتقديم ساندويتش «الكبدة الإسكندراني» ذي المذاق المميز، وكذلك السجق. حيث تشوح الكبدة في الزيت والثوم لتفوح رائحتها المختلطة بالتوابل جاذبة الزبائن، خاصة في ساعات الليل، لالتهام ساندويتشات «الفينو» ذات الحجم الصغير، وأحيانا تستخدم بعض العربات الخبز البلدي وفق رغبات الزبائن. وتتخذ عربات الكبدة أماكن ثابتة لا سيما في وسط القاهرة، أما زبائنها فهم من مختلف الفئات الاجتماعية، والأعمار السنية، الذين يجذبهم المذاق والأسعار المناسبة، فيشكلّون حلقات حول العربة وكل منهم يمسك بطبقه الذي تتراص عليه الساندويتشات، المضاف إليها الطحين أو الكاتشب، وبجوارها المخلل أو قرون الفلفل الأخضر.
لا تتقيد عربات الكبدة بشكل محدد، ولكنها تشترك في وجود مكان لموقد أو موقدين، ومن فوقها توضع صواني الكبدة والسجق، كما تضمم أرففا لوضع الخبز والطحين والزيت، بما يسهل على صاحب العربة عملية إعداد الساندويتشات وتلبية رغبات الزبائن سريعاً. وتعتمد العربات في الأغلب على الكبدة البرازيلي المستوردة لجودتها ولرخص سعرها مقارنة بالكبدة البلدي مرتفعة الثمن. ويقول علي حنفي، صاحب عربة كبدة بمنطقة المهندسين، إن إقبال المواطنين يتزايد عليه في فترة المساء أكثر من الصباح، مشيراً إلى أنه اضطر لرفع سعر رغيف الكبدة إلى جنيهين مع ارتفاع الأسعار، لكنه قال إنه استطاع بحكم الخبرة في الطهي و«التسبيك» تكوين قاعدة عريضة من الزبائن، ويضاف إليها يومياً من عمال وموظفين يعملون في ضاحية المهندسين.
الشرق الأوسط / مجلة أسفار www.assfar.org